للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو السنة العاشرة، أو بسبب أداء حجة الوداع، وقد تقدم سبب تسميته بهذا الاسم (فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ) أي أحرم بعضنا بعمرة، ومنهم عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -كما تقدم في حديث جابر - رضي اللَّه عنه - المتقدم.

قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: اختلفت الروايات عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - فيما أحرمت به، اختلافا كثيرًا، فذكر مسلم من ذلك ما قدّمناه -يعني قولها: "ولم أهلّ إلا بعمرة"- وفي رواية لمسلم أيضًا عنها "خرجنا لا نرى إلا الحجّ"، وفي رواية القاسم عنها: "خرجنا مهلّين بالحجّ"، وفي رواية: "لا نذكر إلا الحجّ"، وكلّ هذه الروايات صريحة في أنها أحرمت بالحجّ، وفي رواية الأسود عنها: "نلبّي لا نذكر حجًا, ولا عمرة".

قال القاضي: واختلف العلماء في الكلام على حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، فقال مالك: ليس العمل على حديث عروة، عن عائشة عندنا قديمًا, ولا حديثًا. وقال بعضهم: يترجّح أنها كانت محرمة بحجّ؛ لأنها رواية عمرة، والأسود، والقاسم، وغلّطوا عروة في العمرة. وممن ذهب إلى هذا القاضي إسماعيل، ورجّحوا رواية غير عروة على روايته؛ لأن عروة قال في رواية حماد بن زيد، عن هشام، عنه: حدّثني غير واحد أن النبيّ - رضي اللَّه عنه - قال لها: "دعي عمرتك"، فقد بان أنه لم يسمع الحديث منها.

قال القاضي -رحمه اللَّه تعالى-: وليس هذا بواضح؛ لأنه يحتمل أنها ممن حدّثه ذلك. قالوا أيضًا: ولأن رواية عمرة، والقاسم نسّقت عمل عائشة في الحجّ من أوله إلى آخره، ولهذا قال القاسم عن رواية عمرة: أنبأتك بالحديث على وجهه. قالوا: ولأن رواية عروة إنما أخبر عن إحرام عائشة، والجمع بين الروايات ممكن، فأحرمت أوّلاً بالحجّ كما صحّ عنها في رواية الأكثرين، وكما هو الأصحّ من فعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأكثر أصحابِهِ، ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبيّ كتَ أصحابه بفسخ الحجّ إلى العمرة، وهكذا فسّره القاسم في حديثه، فأخبر عروة عنها باعتمارها في آخر الأمر، ولم يذكر أول أمرها.

قال القاضي: وقد تعارض هذا بما صحّ عنها في إخبارها عن فعل الصحابة، واختلافهم في الإحرام، وأنها أحرمت هي بعمرة، فالحاصل أنها أحرمت بحجّ، ثم فسخته إلى عمرة حين أُمر الناس بالفسخ، فلما حاضت، وتعذّر عليها إتمام العمرة، والتحلّل منها، وإدراك الإحرام بالحجّ، أمرها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالإحرام بالحجّ، فأحرمت، فصار مُدخلة للحجّ على العمرة، وقارنة. انتهى كلام القاضي -رحمه اللَّه تعالى- (١).


(١) - "شرح صحيح مسلم" للنوويّ ٨/ ٣٧٦ - ٣٧٧.