للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى- تحقيق نفيسٌ جدًّا. وحاصله أن رواية عروة أنها أهلّت بالعمرة صحيحة, لأنها محمولة على آخر أمرها، بعد أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بفسخ الحجّ إلى العمرة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَن كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهْلِلْ بالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ) أي ليصير قارنًا (ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعَا) لأنه ممنوع التحَلل حتى يبلغ الهدي محله.

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذه الرواية مفسّرة للمحذوف من الرواية التي احتجّ بها أبو حنيفة، وأحمد، وموافقوهما -يعني قوله: "ومن أحرم بعمرة، وأهدى فلا يحلّ حتى ينحر هديه" على أن المعتمر، والمتمتّع إذا كان معه هدي، لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، ومذهب مالك، والشافعيّ، وموافقيهما أنه إذا طاف، وسعى، وحلق، حلّ من عمرته، وحلّ له كلّ شيء فيِ الحال، سواء ساق الهدي، أم لا، واحتجّوا بالقياس على من لم يسق الهدي، وبأنه تَحلَّلَ من نسكه، فوجب أن يحلّ له كل شيء، كما لو تحلّل المحرم بالحجّ. وأجابوا عن هذه الرواية بأنها مختصرة من الروايات التي ذكرها مسلم بعدها، والتي ذكرها قبلها عن عائشة، قالت خرجنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من كان معه هدي، فليُهلّ بالحجّ مع العمرة، ثم لا يحلّ حتى يحلّ منهما جميعًا". فهذه الرواية مفسّرة للمحذوف من الرواية التي احتجوا بها، وتقديرها: ومن أحرم بعمرة، وأهدى، فليهلّ بالحج، ولا يحلّ حتى ينحر هديه، ولا بدّ من هذا التأويل؛ لأن القضيّة واحدة، والراوي واحد، فيتعيّن الجمع بين الروايتين على ما ذكرنا انتهى كلام النوويّ بتصرّف (١).

وقال الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن ذكر نحو ما ذكره النوويّ من التأويل: ولا يخفى ما فيه من التعسّف انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أنّ ما ذهب إليه الحنفية، والحنابلة من أن المعتمر إذا ساق الهدي لا يتحلّل حتى ينحر هديه هو الحقّ؛ لصحة الحديث بذلك، وتأويله على خلاف ظاهره تعسّف ظاهر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ) تقدّم أنها حاضت بسرف، وتمادى بها الحيض إلى يوم النحر (فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أي لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - لها: "افعلي ما يفعل الحاجّ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" (فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -،


(١) - "شرح مسلم" ٨/ ٣٧٩ - ٣٨٠.