للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَقَالَ: "انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي) أي سرّحي شعرك بالمشط.

ذهب الجمهور إلى أن معنى الحديث: أنه أمرها أن تترك أعمال العمرة، من الطواف، والسعي، والتقصير، وأن تُدخل الحجّ على العمرة، فتكون قارنة، وليس المراد بترك العمرة إبطالها جملة، وإنما المراد ترك أعمالها، وإرادف الحجّ عليها، حتى تصير قارنة، وتندرج أفعال العمرة في أفعال الحجّ.

وذهب الحنفية إلى أن معنى الحديث: أنه أمرها بأن تخرج من إحرام العمرة، وتتركها باستباحة المحظورات من التمشيط، وغيره؛ لعدم القدرة على الإتيان بأفعالها بسبب الحيض.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ إذ لا يلزم من التمشيط وغيره الخروج من الإحرام، وإبطال العمرة.

قال النوويّ: ولا يلزم منه إبطال العمرة؛ لأن نقض الشعر، والامتشاط جائزان في الإحرام على الراجح، بحيث لا ينتف شعرًا.

ولكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وتأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذروة بأن كان في رأسها أذى، فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذي.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: كون امتشاط عائشة للعذر يحتاج إلى دليل، والظاهر أنه يجوز بدون عذر، واللَّه تعالى أعلم.

وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط، بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل لإحرامها بالحجّ، لا سيما إن كانت لبّدت رأسها كما هو السنّة، وكما فعله النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلا يصحّ غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها، ويلزم من هذا نقضه انتهى (١).

وقال العلامة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: أما قوله: "وانقضي رأسك، وامتشطي" فهذا مما أعضل على الناس، ولهم فيها أربعة مسالك:

[أحدها]: أنه دليل على رفض العمرة، كما قالت الحنفية.

[المسلك الثاني]: أنه دليل على أنه يجوز للمحرم أن يمشي رأسه، ولا دليل من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع على منعه من ذلك، ولا تحريمه. وهذا قول ابن حزم وغيره.


(١) - "شرح مسلم" ٨/ ٣٧٨.