للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن الحجّ (بِالْبَيْتِ) متعلق بـ "طاف" (وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أي سعوا بينهما. قال القاري: الطواف يراد به الدور الذي يشمل السعي، فصحّ العطف، ولم يحتج إلى تقدير عامل، وجعله نظير "علفتها تبنًا وماء باردا" (ثُمَّ حَلُّوا) أي خرجوا من العمرة بالحلق، أو التقصير، ثم أحرموا بالحج من مكة (ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ) أي للحج يوم النحر، وهو طواف الإفاضة (بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى) أي إلى مكة، وقد سقط عنهم طواف القدوم إجماعًا لأنهم صاروا في حكم أهل مكة، والمكيّ لا طواف عليه للقدوم، إلا ما حُكي عن الإمام أحمد أن المتمتع يطوف يوم النحر أولا للقدوم، ثم يطوف طوافًا آخر للحج، وخالفه الجمهور، وهو الصواب؛ إذ لم ينقل عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا عن أصحابه الذين تمتعوا معه - صلى اللَّه عليه وسلم - في حجة الوداع أنهم طافوا الطواف المذكور. واللَّه تعالى أعلم (لِحَجَّهِمْ) فيه أن المتمتّع عليه طواف لعمرته، وطواف لحجه بعد رجوعه من منى (وَأَمَّا الذينَ جمًعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) أي ابتداء، أو إدخالا لأحدهما على الآخر (فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) تعني أن الذين قرنوا بينهما اكتفوا بطواف واحد؛ لأن أفعال العمرة تندرج في أفعال الحجّ، وبهذا قال الجمهور، وهو الحقّ، وقال الحنفيّة: إن القارن عليه طوافان، وسعيان، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في باب "طواف القارن" -١٤٤/ ٢٩٣٢ - إن شاء اللَّه تعالى.

[تنبيه]: قيل: هذا الحديث بظاهره مشكل على الجميع؛ لأنه يدلّ على اكتفائهم بطواف واحد، وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أنهم طافوا ثلاثة أطوفة: الأول طواف القدوم. والثاني: طواف الإفاضة. والثالث: طواف الوداع.

وقد أجابوا عن ذلك، وأحسن ما رأيت في ذلك ما كتبه السنديّ في "حاشيته على البخاريّ": حيث قال: ظاهر الحديث أنهم إنما اقتصروا من الطوافين الذين طافهما السابقون على أحدهما، إما الأول، وإما الثاني، وليس الأمر كذلك، بل هم أيضًا طافوا الطوافين، الأول، والثاني جميعًا، وذلك مما لا خلاف فيه، وقد جاء صريحًا عن ابن عمر، ففي "صحيح مسلم" عنه، و"بدأ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحجّ"، إلى أن قال: "وطاف رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - حين قدم مكة"، إلى أن قال: "ونحر هديه يوم النحر، وأفاض، وطاف بالبيت، وفعل مثل ما فعل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من أهدى، وساق الهدي من الناس".

ثم ذكر حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أنها أخبرت بمثل ذلك، قال: فالمراد كما سبق أنهم طافوا للركن طوافًا واحدًا، والسابقون طافوا للركن طوافين.

وقال أيضًا: قولها: "وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا