للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تحبسني"، وكذا في حديث عائشة في "الصحيحين". و"قولي: اللَّهم محلي حيث حبستني". والثاني: أنه تكفي فيه النية، ووجهه بأنه تبع لعقد الإحرام، والإحرام ينعقد بالنيّة. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أنه لا يتعيّن في الاشتراط اللفظ المذكور في الحديث، بل كلّ ما يؤدّي معناه يقوم مقامه في ذلك. قال ابن قُدامة: وغير هذا اللفظ مما يؤدي معناه يقوم مقامه لأن المقصود المعنى، والعبارة إنما يعتبر لتأدية المعنى، ثم استشهد بقول علقمة: اللَّهم إني أريد العمرة إن تيسرت، وإلا فلا حرج عليّ. وبقول شريح: اللَّهم قد عرفت نيتي، وما أريد، فإن كان أمرا تتمه، فهو أحبّ إليّ، وإلا فلا حرج عليّ. ونحوه عن الأسود.

وقالت عائشة لعروة: قل: اللَّهم إني أريد الحج، وإياه نويت، فإن تيسر، وإلا فعمرة. ونحوه عن عميرة بن زياد. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أن قوله: "محلّي حيث حبستني" يدلّ على أن المحصر يحلّ حيث يحبس، وهناك ينحر هديه، ولو كان في الحلّ، وبه قال الشافعيّ، وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا ينحر هديه إلا في الحرم. والأول أصحّ. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أنه خرج بقوله: "حيث حبستي ما إذا شرط التحلّل بلا عذر، بأن قال في إحرامه: متى شئت، أو كسلت خرجت، فإن هذا لا يعتبر اتفاقًا (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاشتراط في الإحرام:

اختلفوا في ذلك على مذاهب:

(المذهب الأول): جوازه، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم. وهو المشهور من مذهب الشافعيّ، فإنه نصّ عليه في القديم، وعلّق القول به في الجديد على صحة الحديث، وقد صحّ، كما تقدم. وقد روى ابن أبي شيبة فعله عن عليّ، وعلقمة، والأسود، وشُريح، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. والأمر به عن عائشة، وعبد اللَّه بن مسعود. وعن عثمان أنه رأى رجلاً واقفا بعرفة، فقال له: أشارطت؟، فقال: نعم. وعن الحسن، وعطاء في المحرم قالا: له شرطه.

وروى البيهقيّ الأمر به عن أم سلمة. وقال ابن المنذر: ممن روينا عنه أنه رأى الاشتراط عند الإحرام عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، وعمار بن ياسر، وهو مذهب عَبيدة السلمانيّ، والأسود بن يزيد، وعلقمة، وشُريح، وسعيد بن المسيّب، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وعطاء بن يسار، وأحمد، وإسحاق، وأبي


(١) - راجع "طرح التثريب في شرح التقريب" ٥/ ١٧١ - ١٧٣.