للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإذا أجاز إبطال العبادة للعجز، فنقلها إلى عبادة أخرى أولى بالجواز.

وروى ابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقيّ في "سننه" من رواية يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن ضُباعة، قالت: قلت: يا رسول اللَّه، إني أريد الحجّ، فكيف أهلّ بالحجّ؟ قال: "قولي: اللَّهم إني أُهلّ بالحجّ إن أذنت لي به، وأعنتني عليه، ويسّرته لي، وإن حبستني فعمرة، وإن حبستني عنهما جميعًا، فمجلّي حيث حبستني".

قال الحافظ وليّ الدين: وهذه زيادة حسنة، يجب الأخذ بها، ويقال: ينبغي أن لا يجوز للحاجّ شرط التحلل منه مطلقًا، إلا مع العجز عنه، وعن العمرة، فمع القدرة على العمرة لا ينتقل للتحلّل المطلق انتهى (١).

(ومنها): أنّ سبب الحديث إنما هو في التحلل بالمرض لكن قوله: "حبستني" يصدق بالحبس بالمرض، وبغيره من الأعذار كذهاب النفقة، وفراغها، وضلال الطريق، والخطإ في العدد. وقد صرّح الشافعيّة، والحنابلة بأن هذه الأعذار كالمرض في جواز شرط التحلّل بها، ومن الشافعية من خالف فيه.

(ومنها): أن ظاهر الحديث أنه لا يجب عليه عند التحلُّل بالشرط دم، إذ لو وجب لذكره - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإنه وقت الاحتياج إليه، وبهذا صرّح الحنابلة، والظاهريّة، وهو الأصحّ عند الشافعيّة. ومحلّ الخلاف عندهم في حالة الإطلاق، فلو شرط التحلّل بالهدي لزمه قطعًا، وإن شرطه بلا هدي لم يلزمه قطعًا (٢). واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أن الحنابلة ذكروا أن هذا الشرط يؤثّر في إسقاط الدم فيما إذا حبسه عدوّ. وقالت الشافعية: لا يسقط دم الإحصار بهذا الشرط؛ لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط، فشرطه لاغٍ. ومنهم من حكى فيه خلافًا. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أنه استَدلّ به الجمهور على أنه لا يجوز التحلل بالإحصار بالمرض من غير شرط، إذ لو جاز التحلل به لم يكن لاشتراطه معنى. (ومنها): أنه لا يجب القضاء عند التحلل بشرط، وبه صرّح الشافعية، وغيرهم. (ومنها): أن المفهوم من لفظ الشرط أنه لا بدّ من مقارنته للإحرام، فإنه متى سبقه، أو تأخر عنه لم يكن شرطًا، وقد صرّح بذلك في قوله في حديث ابن عباس: "اشترطي عند إحرامك"، وهو بهذا اللفظ في "مصنّف ابن أبي شيبة". (ومنها): أن ظاهر الحديث أنه لا بدّ من التلفظ بهذا الشرط كغيره من الشروط، وهو ظاهر كلام الشافعية، وذكر فيه ابن قدامة احتمالين: أحدهما: هذا، قال: ويدلّ عليه ظاهر قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث ابن عباس: "قولي: محلّي من الأرض حيث


(١) - المصدر السابق ٥/ ١٧٢.
(٢) - المصدر السابق.