فقال:"اركبها"، فقال: يا رسول اللَّه إنها هدي، فقال:"اركبها ويلك" في الثانية، أو الثالثة.
وأجمعوا على أن هدي التطوع إذا بلغ محله أنه يأكل منه صاحبه كسائر الناس، وأنه إذا عطب قبل أن يبلغ محله خَلَّى بينه وبين الناس، ولم يأكل منه، وزاد داود: ولا يطعم منه شيئًا أهل رفقته؛ لما ثبت أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، بعث بالهدي مع ناجية الأسلمي، وقال له: إن عَطِب منها شيء، فانحره، ثم اصبُغْ نعليه في دمه، وخل بينه وبين الناس" (١)، ورُوي عن ابن عباس هذا الحديثُ، فزاد فيه: "ولا تأكل منه أنت، ولا أهل رفقتك"، وقال بهذه الزيادة داود، وأبو ثور.
واختلفوا فيما يجب على من أكل منه، فقال مالك: إن أكل منه وجب عليه بدله، وقال الشافعيّ، وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وابن حبيب من أصحاب مالك: عليه قيمة ما أكل، أو أمر بأكله، طعاما يتصدق به، ورُوي ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وجماعة من التابعين.
وما عطب في الحرم قبل أن يصل مكة، فهل بلغ محله أم لا؟ فيه الخلاف مبني على الخلاف المتقدم، هل المحل هو مكة، أو الحرم؟.
وأما الهدي الواجب، إذا عطب قبل محله، فإن لصاحبه أن يأكل منه؛ لأن عليه بدله، ومنهم من أجاز له بيع لحمه، وأن يستعين به في البدل، وكَرِه ذلك مالك. واختلفوا في الأكل من الهدي الواجب إذا بلغ محله، فقال الشافعي: لا يُؤكل من الهدي الواجب كُلَّ، ولحمُهُ كُلُّهُ للمساكين، وكذلك جُلُّه إن كان مُجَلَّلا، والنعل الذي قلد به، وقال مالك: يؤكل من كل الهدي الواجب إلا جزاء الصيد، ونذر المساكين، وفدية الأذى، وقال أبو حنيفة: لا يؤكل من الهدي الواجب إلا هدي المتعة، وهدي القران.
وعمدة الشافعي تشبيه جميع أصناف الهدي الواجب بالكفارة، وأما من فرق، فلأنه يظهر في الهدي معنيان: أحدهما: أنه عبادة مبتدأة، والثاني: أنه كفارة، وأحد المعنيين في بعضها أظهر، فمن غَلَّب شبهه بالعبادة على شبهه بالكفارة في نوع من أنواع الهدي، كهدي القران، وهدي التمتع، وبخاصة عند من يقول: إن التمتع والقران أفضل، لم يشترط أن لا يأكل؛ لأن هذا الهدي عنده هو فضيدة، لا كفارة تدفع العقوبة، ومن غَلَّب شبهه بالكفارة قال: لا يأكله؛ لاتفاقهم على أنه لا يأكل صاحب الكفارة من الكفارة.