للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقول: إنما المعنى في قوله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} مكة. وكان لا يجيز لمن نحر هديه في الحرم إلا أن ينحره بمكة. وقال الشافعي، وأبو حنيفة: إن نحره في غير مكة من الحرم أجزأه. وقال الطبري: يجوز نحو الهدي حيث شاء المهدي، إلا هدي القران، وجزاء الصيد، فإنهما لا ينحران إلا بالحرم.

وبالجملة فالنحر بمنى إجماع من العلماء، وفي العمرة بمكة إلا ما اختلفوا فيه من نحر المحصر. وعند مالك إن نحر للحج بمكة، والعمرة بمنى أجزأه، وحجة مالك في أنه لا يجوز النحر بالحرم إلا بمكة قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وكل فجاج مكة وطرقها منحر" (١). واستثنى مالك من ذلك هدي الفدية، فأجاز ذبحه بغير مكة.

وأما متى ينحر؟، فإن مالكا قال: إن ذبح هدي التمتع، أو التطوع قبل يوم النحر لم يجزه، وجوّزه أبو حنيفة في التطوع، وقال الشافعي: يجوز في كليهما قبل يوم النحر، ولا خلاف عند الجمهور أن ما عُدل من الهدي بالصيام أنه يجوز حيث شاء؛ لأنه لا منفعة في ذلك، لا لأهل الحرم ولا لأهل مكة، وإنما اختلفوا في الصدقة المعدولة عن الهدي، فجمهور العلماء على أنها لمساكين مكة والحرم؛ لأنها بدل من جزاء الصيد الذي هو لهم، وقال مالك: الإطعام كالصيام يجوز بغير مكة.

وأما صفة النحر فالجمهور مجمعون على أن التسمية مستحبة فيها؛ لأنها ذكاة، ومنهم من استحب مع التسمية التكبير.

وشمتحب للمهدي أن يلي نحو هديه بيده، وإن استخلف جاز، وكذلك فعل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في هديه، ومن سنتها أن تُنحَر قياما؛ لقوله سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحجّ: ٣٦].

وأما ما يجوز لصاحب الهدي من الانتفاع به وبلحمه، فإن في ذلك مسائل مشهورة: (أحدها): هل يجوز له ركوب الهدي الواجب أو التطوع، فذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز، من ضرورة ومن غير ضرورة، وبعضهم أوجب ذلك، وكره جمهور فقهاء الأمصار ركوبها من غير ضرورة، والحجة للجمهور ما أخرجه أبو داود (٢) عن جابر - رضي اللَّه عنه -، وقد سئل عن ركوب الهدي، فقال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "اركبها بالمعروف، إذا أُلجئت إليها حتى تجد ظهرا"، ومن طريق المعنى أن الانتفاع بما قُصد به القربة إلى اللَّه تعالى منعه مفهوم من الشريعة، وحجة أهل الظاهر ما رواه مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، رأى رجلا يسوق بدنة،


(١) - حديث صحيح.
(٢) - بل أخرجه مسلم، فكان الأولى أن يعزوه إليه، وسيأتي للمصنّف برقم ٧٦/ ٢٨٠٢.