يشعره، وذلك في مكان واحد، وهو موجه للقبلة، يقلده بنعلين، ويشعره من الشق الأيسر، ثم يُساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة، ثم يُدفع به معهم إذا دفعوا، وإذا قَدِم مني غداة النحر نحوه قبل أن يَحلِق أو يقصر، وكان هو ينحر هديه بيده، يَصُفُّهُنّ قياما، ويوجههن للقبلة، ثم يأكل، ويطعم.
واستحب الشافعي، وأحمد، وأبو ثور الإشعار من الجانب الأيمن؛ لحديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ببدنه، فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، ثم سَلَتَ الدم عنها، وقلدها بنعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت على البيداء أهل بالحج (١).
وأما من أين يساق الهدي؟ فإن مالكا يرى أن من سنته أن يُساق من الحل، ولذلك ذهب إلى أن من اشترى الهدي بمكة، ولم يُدخله من الحل أن عليه أن يَقِفه بعرفة، وإن لم يفعل فعليه البدل، وأما إن كان أدخله من الحل، فيستحب له أن يَقِفه بعرفة، وهو قول ابن عمر، وبه قال الليث. وقال الشافعي، والثوري، وأبو ثور: وقوف الهدي بعرفة سنة، ولا حرج على من لم يقفه كان داخلا من الحل أو لم يكن. وقال أبو حنيفة: ليس توقيف الهدي بعرفة من السنة.
وحجة مالك في إدخال الهدي من الحل إلى الحرم، أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كذلك فعل، وقال:"خذوا عني مناسككم". وقال الشافعي: التعريف سنة مثل التقليد. وقال أبو حنيفة: ليس التعريف بسنة، وإنما فعل ذلك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لأن مسكنه كان خارج الحرم، وروي عن عائشة التخيير في تعريف الهدي أو لا تعريفه.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأرجح قول من قال باستحباب التعريف؛ اتباعًا لفعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأما القول بالوجوب فيحتاج إلى دليل، وليس حديث:"خذوا عنّي مناسككم" دليلاً على الوجوب؛ لأنهم متّفقون في أشياء على أنها مستحبّة مع أن الحديث يشملها. واللَّه تعالى أعلم.
وأما محله فهو البيت العتيق، كما قال تعالى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحجّ: ٣٣]، وقال:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥]، وأجمع العلماء على أن الكعبة لا يجوز لأحد فيها ذبح، وكذلك المسجد الحرام، وأن المعنى في قوله:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أنه إنما أراد به النحر بمكة؛ إحسانا منه لمساكينهم وفقرائهم. وكان مالك
(١) - سيأتي في الباب التالي أن هذا المذهب هو الأصحّ؛ لحديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، وأما أثر ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - فموقوف، لا يعارض المرفوع، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.