للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأما ما هو واجب في بعض أنواع هذه العبادة، فهو هدي المتمتع باتفاق، وهدي القارن باختلاف، وأما الذي هو كفارة فهدي القضاء على مذهب من يشترط فيه الهدي، وهدي كفارة الصيد، وهدي إلقاء الأذى والتفث، وما أشبه ذلك من الهدي الذي قاسه الفقهاء في الإخلال بنسك نسك منها على المنصوص عليه.

فأما جنس الهدي، فإن العلماء متفقون على أنه لا يكون الهدي إلا من الأزواج الثمانية التي نص اللَّه عليها، وأن الأفضل في الهدايا هي الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، ثم المعز، وإنما اختلفوا في الضحايا.

وأما الأسنان فإنهم أجمعوا أن الثني فما فوقه يجزي منها، وأنه لا يجزئ الجذع من المعز في الضحايا والهدايا؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - لأبي بردة: "تجزي عنك، ولا تجزي عن أحد بعدك" (١)، واختلفوا في الجذع من الضأن، فأكثر أهل العلم يقولون بجوازه في الهدايا والضحايا، وكان ابن عمر يقول: لا يجزي في الهدايا إلا الثني من كلّ جنس، ولا خلاف في أن الأغلى ثمنا من الهدايا أفضل، وكان الزبير يقول لبنيه: يا بَنِيَّ لا يهُدينّ أحدكم للَّه من الهدي شيئا يستحي أن يهديه لكريمه، فإن اللَّه أكرم الكرماء، وأحق من اختير له، وقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الرقاب - وقد قيل له: أيها أفضل؟ - فقال: "أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها" (٢). وليس في عدد الهدي حد معلوم، وكان هدي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مائة (٣).

وأما كيفية سوق الهدي، فهو التقليد والإشعار بأنه هدي؛ لأن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - خرج عام الحديبية، فلما كان بذي الحليفة قَلَّد الهدي، وأشعره وأحرم (٤)، وإذا كان الهدي من الإبل والبقر، فلا خلاف أنه يُقَلَّد نعلا أو نعلين، أو ما أشبه ذلك لمن لم يجد النعال.

واختلفوا في تقليد الغنم، فقال مالك وأبو حنيفة: لا تقلد الغنم، وقال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وداود: تقلد؛ لحديث الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أهدى إلى البيت مَرّةً غنما، فقلده (٥). واستحبوا توجيهه إلى القبلة في حين تقليده، واستحب مالك الإشعار من الجانب الأيسر؛ لما رواه عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده، وأشعره بذي الحليفة، قلده قبل أن


(١) - متّفقٌ عليه من حديث البراء بن عازب - رضي اللَّه تعالى عنهما -.
(٢) - متّفقٌ عليه.
(٣) - متّفقٌ عليه.
(٤) - حديث صحيح.
(٥) - متّفقٌ عليه، وسيأتي للمصنف برقم ٧٢/ ٢٧٩٧.