للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وخالفاه صاحباه، فقالا بقول الجماعة انتهى.

وروي عن إبراهيم النخعيّ أيضًا أنه كره الإشعار، ذكر ذلك الترمذيّ، قال: سمعت أبا السائب يقول: كنا عند وكيع، فقال له رجل: روي عن إبراهيم النخعيّ أنه قال: الإشعار مثلة، فقال وكيع: أقول لك: أشعر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وتقول قال إبراهيم؟ ما أحقّك بأن تحبس انتهى.

وفيه تعقّب على ابن حزم في زعمه أنه ليس لأبي حنيفة في ذلك سلف. وقد بالغ ابن حزم في هذا الموضع، ويتعيّن الرجوع إلى ما قال الطحاويّ، فإنه أعلم من غيره بأقوال أصحابه انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن مما تقدّم من الأدلّة أن مشروعية الإشعار هو الحقّ، ومن قال بأنه بدعة، فيعتذر عنه بأنه لم تبلغه السنة، أو بلغته عن طريق غير مرضيّ عنده، أو تأوله بتاويل أخطأ فيه.

والحاصل أن الإشعار سنة ثابتة عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعن أصحابه الكرام رضي اللَّه تعالى عنهم، وعمن تبعهم بإحسان. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

[تنبيه]: قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: اتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر في ذلك بالإبل، إلا سعيد بن جبير، واتفقوا على أن الغنم لا تُشعر؛ لضعفها, ولكون صوفها، أو شعرها يستر موضع الإشعار، وأما على ما نقل عن مالك، فلكونها ليست من ذات أسنمة. واللَّه أعلم انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في ذكر باب جامع لمسائل الهدي:

(اعلم): أنه قد عقد العلامة ابن رشد -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "بداية المجتهد، ونهاية المقتصد" بابًا جامعًا لأقوال العلماء فيما يتعلّق بالهدي، أحببت إيراده هنا؛ لكونه يجمع شتات الأقوال التي سأذكر كثيرًا منها في الأبواب الآتية، إن شاء اللَّه تعالى.

قال -رحمه اللَّه تعالى-: إن النظر في الهدي يشتمل على معرفة وجوبه، وعلى معرفة جنسه، وعلى معرفة سِنَّهِ، وكيفية سَوْقه، ومن أين يساق؟، وإلى أين يُنتَهَى بسوقه؟ وهو موضع نحوه، وحكم لحمه بعد النحر.

فنقول: إنهم قد أجمعوا على أن الهدي المسوق في هذه العبادة منه واجب، ومنه تطوع، فالواجب منه ما هو واجب بالنذر، ومنه ما هو واجب في بعض أنواع هذه العبادة، ومنه ما هو واجب لأنه كفارة.


(١) - "فتح" ٤/ ٣٦٤ - ٣٦٥.
(٢) - "فتح" ٤/ ٣٦٥.