للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يثبت ذلك في بعضها، دون جميعها.

واعلم أن كلّ من رتّب هذا الحكم على التقليد رتبه على الإشعار أيضًا، فهو في معناه.

فهذه عشرة مذاهب شاذّة إن لم تؤول، وتردّ إلى مذهب واحد. وكلام النوويّ يقتضي التأويل، فقال في "شرح مسلم" في الكلام على هذا الحديث: فيه أن من بعث هديه لا يصير محرمًا, ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة إلا رواية حكيت عن ابن عباس، وابن عمر، وعطاء، وسعيد بن جبير، وحكاه الخطابيّ عن أصحاب الرأي أيضًا أنه إذا فعله لزمه اجتناب ما يجتنبه المحرم، ولا يصير محرمًا من غير نية الإحرام.

وقال في "شرح المهذب": إذا قلّد هديه، أو أشعره لا يصير محرمًا بذلك، وإنما يصير محرمًا بنية الإحرام، هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة، ونقل الشيخ أبو حامد عن ابن عباس، وابن عمر أنه يصير محرمًا بمجرد تقليد الهدي، وهذا فيه تساهل، وإنما مذهب ابن عباس أنه إذا قلّد هديه حرم عليه ما يحرم على المحرم حتى يُنحَر هديُهُ، وكذا مذهب ابن عمر إن صحّ عنه في هذه المسألة شيء انتهى. فذكر في "شرح مسلم" بعث الهدي، وفي "شرح المهذب" تقليده. انتهى كلام وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وقال في "الفتح" عند شرح ردّ عائشة على ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: ما نصّه: قال ابن التين: خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء، واحتجّت عائشة بفعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه، ولعل ابن عباس رجع عنه انتهى.

قال الحافظ: وفيه قصور، فإن ابن عباس لم ينفرد بذلك، بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر، رواه ابن أبي شيبة، عن ابن عليّة، عن أبوب، وابنُ المنذر من طريق ابن جريج، كلاهما عن نافع: "أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم، إلا أنه لا يلبّي". ومنهم قيس بن سعد بن عبادة، أخرج سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيّب عنه نحو ذلك. وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عليّ بن الحسين، عن عمر، وعليّ، أنهما قالا في الرجل يُرسل ببدنته: "إنه يمسك عما يمسك عنه المحرم". وهذا منقطع. وقال ابن المنذر: قال عمر، وعليّ، وقيس بن سعد، وابن عمر، وابن عباس، والنخعيّ، وعطاء، وابن سيرين، وآخرون: من أرسل الهدي، وأقام حَرُم عليه ما يحرم على المحرم.


(١) - "طرح التثريب" ٥/ ١٥٣ - ١٥٥.