للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولأبي يعلى من طريق الحسن، عن أنس: "حافيًا"، لكنها رواية ضعيفة. قاله في "الفتح" (١) (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("ارْكَبْهَا") أي اركب بدنتك التي تسوقها؛ لستريح من تعبك الذي لحقك من مشقّة المشي (قَالَ) الرجل (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا بَدَنَةٌ) هذا ظنَّ من الرجل أن البدنة لا تُركب.

قال وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: المراد بالبدنة هنا، الواحدة من الإبل المهداة إلى البيت الحرام، ويقع هذا اللفظ على الذكر والأنثى بالاتفاق، كما نقله النووي وغيره.

ونقل ابن عبد البرّ قولاً: إنها تختصّ بالأنثى، وردّه. وهل تختصّ في أصل وضعها بالإبل، أم تستعمل فيها، وفي البقر، أم فيها، وفي الغنم، فيه خلاف.

ولو استعملت البدنة هنا في أصل مدلولها لم يحصل الجواب بقوله: "إنها بدنة"، لأن كونها من الإبل مشاهد معلوم، والذي ظنّ أنه خفي من أمرها كونها هديًا، فدلّ بقوله: "إنها بدنة"، على أنها مهداة انتهى كلام وليّ الدين (٢).

(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ) هذه الكلمة أصلها أنها تقال لمن وقع في هَلَكة، فقيل: لأنه كان محتاجًا، قد وقع في تعب وجهد. وقيل: هي كلمة تجري على اللسان، وتستعمل من غير قصد إلى ما وُضعت له أوّلاً، بل تدعّم بها العرب كلامها، كقولهم: لا أُمّ له، ولا أب له، وتربت يداه، وقاتله اللَّه ما أشجعه، وعقرى، وحلقى، وما أشبه ذلك. قاله النووي.

وقال في "الفتح": قال القرطبيّ: قالها له تأديبًا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه. وبهذا جزم ابن عبد البرّ، وابن العربيّ، وبالغ حتى قال: الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا، قال: ولولا أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل، لا محالة. قال القرطبيّ: ويحتمل أن يكون فهم عنه أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في السائبة، وغيرها، فزجره عن ذلك، فعلى الحالتين هي إنشاء. ورجحه عياض، وغيره، قالوا: والأمر هنا، وإن قلنا: إنه للإرشاد، لكنه استحقّ الذمّ بتوقفه على امتثال الأمر. والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادًا. ويحتمل أن يكون ظنّ أنه يلزمه غرم بركوبها، أو إثم، وأن الإذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه، فتوقّف، فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال. وقيل: لأنه كان أشرف على هَلَكَة من الجهد، و"ويل" كلمة تقال لمن وقع في هلكة، فالمعنى: أشرفت على الهلكة، فاركب، فعلى هذا هي إخبار. وقيل: هي كلمة تدعم بها العرب كلامها, ولا تقصد معناها، كقوله: لا أم لك، ويقويّه ما في


(١) - "فتح" ٤/ ٣٥٥.
(٢) - "طرح التثريب" ٥/ ١٤٤.