للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شيبة عن مجاهد: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قال: في ألبانها، وظهورها، وأوبارها حتى تسمّى بدنًا، فإذا سميت بدنًا فمحلها إلى البيت العتيق.

(الخامس): وجوب ركوبها، حكاه القاضي عياض، وابن عبد البرّ عن بعض أهل الظاهر؛ تمسكًا بظاهر الأمر، ولخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة، والسائبة.

قال الحافظ وليّ الدين: فمن قال بالجواز مطلقًا تمسّك بظاهر هذا الحديث، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر بذلك، والأمر هنا للإباحة، ولم يقيّد ذلك بشيء، ومن قيّد الجواز بالحاجة، أو الضرورة قال: هذه واقعة محتملة، وقد دلّت رواية أخرى على أن هذا الرجل كان محتاجا للركوب، أو مضطرًّا له.

روى النسائيّ عن أنس - رضي اللَّه عنه - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - رأى رجلاً يسوق بدنة، وقد جهده المشي قال: "اركبها … " الحديث (١)، وفي "صحيح مسلم" عن أبي الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه سئل عن ركوب الهدي، فقال: سمعت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "اركبها بالمعروف، إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا" (٢). ورواه مسلم أيضًا من هذا الوجه بدون قوله: "إذا ألجئت إليها".

ومن منع مطلقًا، فهذا الحديث حجة عليه، ولعله لم يبلغه، ولعل أحدًا لم يقل بهذا المذهب، ويكون معنى قول الثوريّ: ذهبت المنافع، أي بالملك، وإن بقيت بالارتفاق.

ومن أوجب فإنه حمل الأمر على الوجوب، ووجهه أيضًا مخالفة ما كانت الجاهليّة عليه من إكرام البَحِير، والسائبة، والوصيلة، والحامي، وإهمالها بلا ركوب.

ودليل الجمهور أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أهدى، ولم يركب هدية، ولم يأمر الناس بركوب الهدايا. انتهى كلام وليّ الدين ببعض تصرّف (٣).

قال الحافظ: وفيه نظر؛ لما تقدّم من حديث عليّ - رضي اللَّه عنه -، وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح، ورواه أبو داود في "المراسيل" عن عطاء: "كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها، ويركبها غير منهكها، قلت: ماذا؟ قال: الرجل الراجل، والمتبع السير، فإن نُتجت حمل عليها ولدها".

ولا يمتنع القول بوجوبه إذا تعيّن طريقًا إلى إنقاذ مهجة إنسان من الهلاك. انتهى كلام الحافظ.


(١) - هو الحديث الآتي في الباب التالي.
(٢) - هو الحديث الآتي بعد باب.
(٣) - "طرح التثريب" ٥/ ١٤٤ - ١٤٦.