بما رواه أبو داود بسنده أن أبا ذرّ - رضي اللَّه عنه - كان يقول فيمن حجّ، ثم فسخها بعمرة: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قالوا: فهذه الرواية فيها التصريح من أبي ذرّ بفسخ الحجّ بالعمرة، وهي تفسير مراده بالمتعة في رواية مسلم.
وردّ عليهم بأن هذه الرواية ضعيفة؛ لأن في سندها محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة.
واستدلوا أيضًا بما رواه أحمد، وأبو داود، والنسائيّ (١)، وابن ماجه، والدارميّ من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال بن الحارث، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول اللَّه، فسخ الحجّ لنا خاصّة، أم للناس عامة؟، قال:"بل لكم خاصّة".
وردّ عليهم بأنه ضعيف أيضًا لجهالة الحارث بن بلال. وقال أحمد -رحمه اللَّه تعالى-: حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت، ولا أقول به، ولا يُعرف هذا الرجل -يعني الحارث بن بلال- قال: وقد روى فسخ الحجّ إلى العمرة أحد عشر صحابيًّا، أين يقع الحارث بن بلال منهم؟.
وأيضا حديث أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه - موقوف عليه، وليس بمرفوع، وللاجتهاد فيه مجال، فلا يصلح لمعارضة الأحاديث المرفوعة الصحيحة الصريحة في ذلك.
والحاصل أن أدلّة القائلين بمشروعية الفسخ قويّة صريحة لا تحتمل التأويل، فوجب القول بها، فالحقّ أنه مشروع إلى يوم القيامة. واللَّه تعالى أعلم.
ثم اختلف القائلون بالفسخ في حكمه، هل هو واجب، أم مستحبّ؟:
فذهب الإمام أحمد إلى أنه مستحبّ، ومال فريق إلى أنه واجب، وبه قال ابن حزم، وابن القيّم، قال ابن حزم: وهو قول ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وإسحاق.
واستدلّوا بما رواه أحمد، وابن ماجه، وأبو يعلى، واللفظ لأحمد -١٨٠٥٢ - من حديث البراء بن عازب - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: خرج رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - وأصحابه، قال: فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة، قال:"اجعلوا حجكم عمرة"، قال: فقال الناس: يا رسول اللَّه، قد أحرمنا بالحج، فكيف نجعلها عمرة؟، قال:"انظروا ما آمركم به، فافعلوا"، فردوا عليه القول، فغضب، ثم انطلق، حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه، فقالت: من أغضبك؟، أغضبه اللَّه، قال:"وما لي لا أغضب، وأنا آمر بالأمر، فلا أتبع".
قال ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: ونحن نشهد اللَّه علينا، أنا لو أحرمنا بحجّ لرأينا