وراء الأكمة، وهو المسجد الخرب. ونقل الفاكهيّ عن ابن جريج وغيره أن ثَمَّ مسجدين يزعم أهل مكة أن الخرب الأدنى من الحرم هو الذي اعتمرت منه عائشة.
وقيل: هو المسجد الأبعد على الأكمة الحمراء. ورجحه المحبّ الطبريّ. وقال الفاكهيّ: لا أعلم إلا أني سمعت ابن أبي عمر يذكر عن أشياخه أن الأول هو الصحيح عندهم. قاله في "الفتح"(١)(فَأهِلَّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ) أي محلّ الوعد للقاء (مَكَانُ كَذَا وَكَذَا) هو المحصّب الذي تقدّم ذكره، ففي رواية البخاريّ من طريق القاسم، عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "فنزلنا المحصّب، فدعا عبد الرحمن، فقال: "اخرج بأختك الحرم، فلتهلّ بعمرة، ثم افرغا من طوافكما، أنتظركما ههنا … " الحديث. فدلّ على أن الموعد هو المحصّب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متفق عليه، وقد تقدّم في -١٦/ ٢٦٥٠ - وتقدم بيان مسائله هناك، وقد بقي هنا الكلام فيما ترجم له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَي-، فأقول:
[مسألة]: في بيان اختلاف أهل العلم في حكم فسخ الحج بعمل العمرة لمن لم يسق الهدي:
اختلفوا في هذا الفسخ، هل هو خاصّ بالصحابة تلك السنة، أم عامّ لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟.
فذهب أحمد، والظاهريّة، وعامّة أهل الحديث إلى أنه ليس خاصًّا، بل هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكلّ من أحرم بحجّ مفردًا، أو قارنًا, وليس معه هديٌ أن يقلب إحرامه عمرة، ويتحلّل بأعمالها.
وذهب مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وجماهير العلماء، من السلف والخلف إلى أنه مختصّ بهم في تلك السنة، لا يجوز بعدها، وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهليّة، من تحريم العمرة في أشهر الحجّ.
واستدلّ للجمهور بحديث أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه - عند مسلم: "قال: كانت المتعة في الحجّ لأصحاب محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - خاصّة"، وفي رواية: "قال: كانت لنا رخصة" يعني المتعة في الحجّ، ومراد أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه - بالمتعة المذكورة المتعة التي أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بها أصحابه، وهي فسخ الحج إلى العمرة، واستدلوا على أن الفسخ المذكور هو مراد أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه -