للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(يَا رَسُولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ) أي أخبرني (عُمْرَتَنَا هَذِهِ، لِعَامِنَا هَذَا، أَوْ لِلأَبَدِ؟) معناه: هل جواز فسخ الحجّ إلى العمرة لعامنا هذا خاصة، أم للأمة عامة إلى يوم القيامة (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (هِيَ لِلأَبَدِ) وفي رواية: "بل لأبد أبد" بإضافة الأول إلى الثاني، و"الأبد": الدهر، أي هذا لآخر الدهر، أو بغير الإضافة، وكرره للتأكيد. وزاد في رواية ابن الجارود، وأحمد: "ثلاث مرات". يعني أن ذلك جائز في كلّ عام، لا يختصّ بعام، دون آخر إلى يوم القيامة، وكرر ذلك ثلاثاً للتأكيد.

وفي رواية لمسلم: فقام سراقة، فقال: يا رسول اللَّه، ألعامنا هذا، أم للأبد؟، فشبك أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: "دخلت العمرة في الحجّ مرتين، لا، بل للأبد أبدًا". فتشبيكه - صلى اللَّه عليه وسلم - أصابعه إشارة إلى اشتراك كلّ الأعوام في ذلك بدون اختصاص أحدها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قد اختَلَفَ العلماء في معنى سؤال سراقة، فقال الجمهور: معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحجّ، إبطالاً لما كان عليه الجاهلية.

وقيل: معناه جواز القران، أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحجّ.

وقيل: معناه سقوط وجوب العمرة. قال الحافظ: وهذا ضعيف؛ لأنه يقتضي النسخ بغير دليل، وقال النوويّ: وسياق الحديث يقتضي بطلان هذا التأويل.

وقال آخرون: معناه فسخ الحجّ إلى العمرة. وهذا هو الذي يؤيّده سياق الحديث، وهو الراجح.

وأما قول النوويّ: إنه ضعيف، فقد رُدَّ عليه، قال الحافظ: وتُعقّب -أي كلام النوويّ- بأن سياق السؤال يقوّي هذا التأويل، بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، والجواب وقع عما هو أعمّ من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة، إلا الثالث انتهى (١).

والحاصل أن الصواب أن سؤال سراقة عن فسخ الحجّ إلى العمرة، وجواب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - له واضح في ذلك كما ترى؛ لأن الجواب مطابق للسؤال.

وحديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفق عليه، وقد تقدّم بيان مسائله في ٥١/ ٢٧٤٠ - واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٨٠٦ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ, عَنْ طَاوُسٍ, عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ, أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ, لِعَامِنَا, أَمْ لأَبَدٍ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «هِيَ لأَبَدٍ»).


(١) - "فتح" ٤/ ٤٤٦.