للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القاثلة. (ومنها): ذكر الْحُكْم مع الحكمة، حيث قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنما هي طعمة أطعمكوها اللَّه". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في حكم الصيد للمحرم:

قال العلامة ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: يحل للمحرم صيد البحر، اصطياده، وأكله، وبيعه، وشراؤه، وصيد البحر: الحيوان الذي يعيش في الماء، ويبيض فيه، ويفرخ فيه، كالسمك، والسلحفاة، والسرطان، ونحو ذلك، فإن كان جنس من الحيوان نوع منه في البحر، ونوع في البرّ، كالسلحفاة، فلكلّ نوع حكم نفسه، كالبقر منها الوحشيّ محرم، والأهليّ مباح انتهى.

وأما صيد البرّ فقد أجمع العلماء على منعه للمحرم بحجّ، أو عمرة، وهذا الإجماع في مأكول اللحم الوحشيّ، كالظبي، والغزال، ونحو ذلك، وتحرم عليه الإشارة إلى الصيد، والدلالة عليه؛ لحديث أبي قتادة المذكور في الباب.

قال ابن قدامة: لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد، واصطياده على المحرم، وقد نصّ اللَّه تعالى عليه في كتابه، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]، وقال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦]، وتحرم عليه الإشارة إلى الصيد، والدلالة عليه. قال: ولا تحلّ له الإعانة عليه بشيء. انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم أكل لحم الصيد للمحرم:

(اعلم): أنهم اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة مذهب:

(الأول): أنه لا يجوز له الأكل مطلقًا، وهو قول عليّ، وابن عباس، وابن عمر، والليث بن سعد، والثوريّ، وإسحاق بن راهويه، وطاوس، وجابر بن زيد.

واحتجّ لهم بعموم قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} بناء على أن المراد بالصيد الحيوان المصيد، وبحديث الصعب بن جثّامة - رضي اللَّه تعالى عنه - الآتي في الباب التالي، وبحديث زيد بن أرقم - رضي اللَّه عنه - الآتي أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أُهدي له عضو من لحم صيد، فرده، وقال: "إنا لا نأكله، إنا حرم". وبما أخرجه أبو داود، وغيره من حديث عليّ - رضي اللَّه عنه -: أنه قال لناس من أشجع: أتعلمون أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أُهدي له رجل حمار وحشٍ، وهو محرم، فأبى أن يأكله؟، قالوا: نعم.

(الثاني): أنه يجوز له الأكل مطلقًا، أي وإن صيد لأجله، إذالم يكن بإذنه وإعانته، أو دلالته، وإشارته. وإليه ذهب أبو حنيفة، وحكي ذلك عن عمر بن الخطاب،


(١) - "المغني" ٥/ ١٣٢.