للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنشدكنّ العهد الذي أخذه عليكنّ سليمان أن تؤذونا، فإن عُدن، فاقتلوهنّ" (١).

فلم يخصّ في هذا الحديث بيوت المدينة من غيرها، قال: ابن عبد البرّ، وهو عندي محتمل للتأويل، والأظهر فيه العموم.

وقال أبو العبّاس القرطبيّ: إن هذا القول، وهو عدم التخصيص بذوات البيوت في المدينة، هو الأولى لعموم نهيه عن قتل الحيّات في البيوت، ولقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "خمس فواسق، يُقتلن في الحلّ والحرم ". وذكر فيهن الحية، ولأنّا قد علمنا قطعًا أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - رسول إلى الجنّ والإنس، وأنه بلغ الرسالة إلى النوعين، وأنه قد آمن به خلق كثير من النوعين بحيث لا يحصرهم بلد، ولا يحيط بهم عدد، والعجب من ابن نافع كأنه لم يسمع قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: ٢٩]، ولا قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن وفد جنّ نصيبين أتوني، ونعم الجنّ هو فسألوني الزاد … " الحديث، فهذه نصوص في أن من جنّ غير المدينة من أسلم، فلا يقتل شيء منها، حتى يحرّج عليه، كما تقدّم.

(رابعها): استثناء ذوات البيوت مطلقًا، فلا يقتلن، ولا بعد الإنذار، وهو ظاهر قوله في حديث أبي لبابة أنه نهى عن ذوات البيوت، ولم يذكر إنذارهنّ.

(خامسها): استثناء ذوات البيوت، فلا يقتلن إلا ذا الطفيتين والأبتر، فهما يُقتلان بالمدينة، وغيرها بلا إنذار، ويدلّ لهذا حديث ابن عمر عن أبي لبابة أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "لاتقتلوا الحيّات إلا كلّ أبتر ذي طفيتين"، وهو في "صحيح البخاريّ". وفي "سنن أبي داود" من طرق، عن نافع، عن أبي لبابة أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نهى عن قتل الحيّات التي تكون في البيوت، إلا أن يكون ذا الطفيتين، والأبتر، فإنهما يخطفان البصر، ويطرحان ما في بطون النساء" (٢).

قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على جواز قتل حيّات الصحارى صغارًا كنّ، أو كبارًا، أيّ نوع كنّ من الحيّات، قال: وترتيب هذه الأحاديث، وتهذيبها باستعمال حديث أبي لبابة، والاعتماد عليه، فإن فيه بياناً لنسخ قتل حيّات البيوت، وأن ذلك كان بعد الأمر بقتلها جملة، وفيه استثناء ذي الطفيتين والأبتر، فهو حديث مفسّر، لا إشكال فيه لمن فهم، وعلم فهو الصواب في هذا الباب، وعليه يصحّ ترتيب الآثار فيه.

(سادسها): روى أبو داود في "سننه" عن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنه - أنه قال: اقتلوا الحيّات كلها إلا


(١) حديث ضعيف، أخرجه أبو دواد برقم ٥٢٦٠.
(٢) - حديث صحيح أخرجه أبو داود برقم ٥٢٥٣.