تتحقق بين النعم والصيد، لكن أريدت المماثلة من حيث الصورة.
قال: والمتلف من الصيد قسمان:
(أحدهما): ما قضت فيه الصحابة، فيجب فيه ما قضت، وبهذا قال عطاء، والشافعيّ، وإسحاق. وقال مالك: يستأنف الحكم فيه. قال ابن قدامة: والذي بلغنا قضاء الصحابة: في الضبع كبش، قضى به عمر، وعليّ، وجابر، وابن عباس، وفيه عن جابر أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - جعل في الضبع يصيدها المحرم كبشًا. قال أحمد: حكم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الضبع بكبش. وبه قال عطاء، والشافعيّ، وأبو ثور، وابن المنذر. وقال الأوزاعيّ: إن كان العلماء بالشام يعدّونها من السباع، ويكرهون أكلها، وهو القياس، إلا أن اتباع السنة والآثار أولى.
(القسم الثاني): ما لم تقض فيه الصحابة، فيرجع إلى قول عدلين، من أهل الخبرة؛ لقوله اللَّه تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}[المائدة: ٩٦]، فيحكمان فيه بأشبه الأشياء به من النعم، من حيث الخلقة، لا من حيث القيمة، بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في القيمة انتهى مختصرًا.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الراجح في المسألة هو ما عليه الجمهور من أن الواجب في قتل الصيد هو المماثل في الصورة والخلقة، لا المماثل في القيمة؛ لوضح دلالة قوله تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}[المائدة: ٩٦] على أن المعتبر أن المثلية الظاهرة، لا المعنوية التي هي القيمة، يؤيد ذلك قوله:{مِنَ النَّعَمِ}، فقد صرّح ببيان جنس المثل، ثم قال:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وضمير "به للمثل من النعم، لا للقيمة, لأنها لم تذكر، ثم قال:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥] والذي يُهدى هو المثل من النعم، لا القيمة، وادعاء أن المراد شراء الهدي بها بعيد من ظاهر الآية، كما حققه بعض الأفاضل.
والحاصل أن الصواب وجوب المثل، لا القيمة، فأما ما نُصّ عليه كالكبش في قتل الضبع، كما في حديث الباب، فقد ثبت وجوبه نصًّا، فلا كلام فيه، وكذلك ما تقدم مما نقل عن الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، فإنه أولى أن يُتَّبَع، وأما ما ليس كذلك، فيعمل فيه بحكم ذوي عدل، كما هو نصّ الآية الكريمة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".