(وَقَالَ:"صمْ ثَلَاَثةَ أَيَّام، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكينَ، مُدَّيْنِ، مُدَّيْنِ) وكذا في رواية عند أحمد، وفي رواية الشيخين: "لكلّ مسكين نصف صاع"، وللطبرانيّ: "لكل مسكين نصف صاع تمر"، ولأحمد: "نصف صاع طعام"، وفي رواية: "نصف صاع حنطة"، وفي رواية: "يطعم فرقًا من زبيب، بين ستة مساكين".
قال ابن حزم: لا بدّ من ترجيح إحدى هذه الروايات؛ لأنه قصّة واحدة، في مقام واحد، في حقّ رجل واحد.
قال الحافظ: المحفوظ رواية شعبة أنه قال في الحديث: "نصف صاع من طعام"، والاختلاف عليه في كونه تمرًا، أو حنطة لعله من تصرّف الرواة، وأما الزبيب، فلم أره إلا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود، وفي إسنادها ابن إسحاق، وهو حجة في المغازي، لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر، فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة، ولم يختلف فيه على أبي قلابة. وكذا أخرجه الطبريّ من طريق الشعبيّ، عن كعب، وأحمد من طريق سليمان بن قرم، عن ابن الأصبهانيّ، ومن طريق أشعث، وداود عن الشعبيّ، عن كعب، وكذا في حديث عبد اللَّه بن عمرو عند الطبرانيّ. وعرف بذلك قوة قول من قال: لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة، وأن الواجب ثلاثة آصع، لكلّ مسكين نصف صاع. ولمسلم عن ابن أبي عمر، عن سفيان ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، وغيره، عن مجاهد في هذا الحديث: "وأطعم فرقًا بين ستة مساكين"، والفرق ثلاثة آصع. وأخرجه الطبريّ من طريق يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، فقال فيه: "قال سفيان: والفرق ثلاثة آصع"، فأشعر بأن تفسير الفرق مدرج، لكنه مقتضى الروايات الآخر، ففي رواية سليمان بن قرم، عن ابن الأصبهانيّ عند أحمد: "لكلّ مسكين نصف صاع". قاله في "الفتح" (١).
(أَوِ انْسُكْ شَاةَ) وفي رواية: "بشاة" بزيادة الموحدة، فعلى الأول "شاة" مفعول به لماقبله، أي اذبح شاة، وعلى الثاني التقدير: تقرب بشاة؛ إذ النسك يطلق على العبادة، وعلى الذبح المخصوص.
وفيه أن المراد بالنسك المذكورة في الآية في قوله تعالى:{أَوْ نُسُكٍ} شاةٌ، وروى الطبرى من طريق مغيرة، عن مجاهد في آخر هذا الحديث: "فأنزل اللَّه: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} الآية [البقرة: ١٩٦]، والنسك شاة". ومن طريق محمد بن كعب القرظيّ، عن كعب: "أمرني أن أحلق، وأفتدي بشاة".
قال عياض، ومن تبعه، تبعًا لأبي عمر ابن عبد البرّ: كلّ من ذكر النسك في هذا