للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإحصار بالعدوّ فقط، وهو المذهب الراجح، كما سيأتي تحقيقه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٢٨٦٠ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي, قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ, عَنْ نَافِعٍ, أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ, وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ, أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ, لَمَّا نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ, قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ, فَقَالَا: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ, إِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ, قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ, فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - هَدْيَهُ, وَحَلَقَ رَأْسَهُ, وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- أَنْطَلِقُ, فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ, وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ, فَعَلْتُ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, وَأَنَا مَعَهُ, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: فَإِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ, أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي, فَلَمْ يَحْلِلْ مِنْهُمَا, حَتَّى أَحَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه، فإنه من أفراده هو، وابن ماجه، وهو ثقة.

و"جويرية": هو: ابن أسماء الضبعيّ البصريّ، صدوق [٧] ١٩٧/ ٣١٥.

والحديث متّفق عليه، وقد تقدّم في -٥٣/ ٢٧٤٦ - وقد استوفيتُ شرحه، وبيان مسائله هناك، وبقي البحث هنا فيما ترجم له المصنف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو البحث في الإحصار، وفيه مسائل:

(المسألة الأولى): في اختلاف أهل العلم في المراد بالإحصار في الحجّ والعمرة:

ذهب كثير من الصحابة، فمن بعدهم إلى أنّ الإحصار من كلّ حابس حبس الحاجّ، من عدوّ، ومرض، وغير ذلك، حتى أفتى ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - رجلاً لُدِغ بأنه محصر. أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه. وإلى هذا القول ميل الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "صحيحه"، كما بينه الحافظ في "الفتح" (١). وهو ظاهر مذهب المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ-كما أسلفته آنفًا.

وهو مذهب النخعي والكوفيين، فإنهم ذهبوا إلى أن الحصر الكسرُ، والمرضُ، والخوفُ. واحتجّوا بحديث حجاج ابن عمرو الآتي بعد هذا، وبما رواه ابن المنذر من طريق عليّ بن طلحة، عن ابن عباس -رَحِمَهُ اللَّهُ- في قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} قال: من أحرم بحجّ، أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يُجهده، أو عدوّ يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، فإن كانت حجة الإسلام، فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد الفريضة، فلا قضاء عليه.


(١) - "فتح" ٤/ ٤٦٧.