الهلال، أو سَجْن، أو أيّ شيء كان فهو محصر، فإن كان اشترط عند إحرامه كما قدمنا أن محله حيث حبسه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، فليحل من إحرامه، ولا شيء عليه، سواء شرع في عمل الحج، أو العمرة، أو لم يشرع بعدُ، قريبًا كان، أو بعيدًا، مضى له أكثر فرضهما، أو أقله، كلّ ذلك سواء، ولا هدي في ذلك، ولا غيره، ولا قضاء عليه في شيء من ذلك، إلا أن يكون لم يحجّ قط، ولا اعتمر، فعليه أن يحجّ، ويعتمر، ولا بدّ، فإن كان لم يشترط كما ذكرنا، فإنه يحلّ أيضًا، كما ذكرنا سواء سواء، ولا فرق، وعليه هدي، ولا بدّ، كما قلنا في هدي المتعة سواء سواء، إلا أنه لا يعوض من هذا الهدي صوم، ولا غيره، فمن لم يجده فهو دين حتى يجده، ولا قضاء عليه، إلا إن كان لم يحج قط، ولا اعتمر، فعليه أن يحج، ويعتمر.
قال: قول اللَّه تعالى هو الحجة في اللغة، والشريعة، قال تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: ١٩٦] وإنما نزلت هذه الآية في أمر الحديبية، إذ منع الكفّار رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من إتمام عمرته، وسمى اللَّه تعالى منع العدوّ إحصارًا، وكذلك قال البراء، وابن عمر، وإبراهيم النخعيّ، وهو في اللغة فوق أبي عبيدة، وأبي عبيد، والكسائيّ، وقال تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} الآية [البقرة: ٢٧٣]، فهذا هو منع العدوّ بلا شكّ؛ لأن المهاجرين إنما منعهم من الضرب في الأرض الكفار بلا شكّ، وبيّن ذلك تعالى بقوله:{فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فصحّ أن الإحصار، والحصر بمعنى واحد، وأنهما اسمان يقعان على كلّ مانع، من عدوّ، أو مرض، أو غير ذلك، أيّ شيء كان؟ انتهى كلام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قرره الإمام ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى- تحقيق حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): اتفقوا على أن من أحصره العدوّ، أي منعه عن المضيّ في نسكه، سواء كان حجًّا أو عمرة جاز له التحلل بأن ينوي ذلك، وينحر هديًا، ويحلق رأسه، أو يقصّر، وهذا مجمع عليه في الجملة، حكاه ابن المنذر عن كلّ من يحفظ عنه من أهل العلم، وبه قال الأئمة الأربعة، وإن اختلفوا في تفاصيل، وتفاريع، سنذكرها في المسائل الآتية إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): هل يشترط في جواز التحلل ضيق الوقت بحيث ييأس من إتمام