نسكه إن لم يتحلّل أو لا يشترط ذلك، بل له التحلّل مع اتساع الوقت؟ لم يشترط الشافعية ذلك، وهو الذي يدلّ عليه فعله - صلى اللَّه عليه وسلم - في الحديبية، فإن إحرامه إنما كان بعمرة، وهي لا يخشى فواتها، وقال المالكية: متى رَجَى زوال الحصر لم يتحلّل حتى يبقى بينه وبين الحجّ من الزمان ما لا يدرك فيه الحج، لو زوال حصره، فيحلّ حينئذ عند ابن القاسم، وابن الماجشون، وقال أشهب: لا يحلّ إلى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الشافعية هو الأرجح عندي؛ لأنه يؤيّده فعله - صلى اللَّه عليه وسلم - في الحديبية، حيث تحلل مع أن وقت العمرة متسع لا يفوت، فلم ينتظر وقتًا يتمكن فيه من الأداء، بل تحلل بمجرد تحقق الإحصار له، وهو الموافق لتيسير الشارع الحكيم، وأما القول بالانتظار حتى ييأس، ففيه إيقاع للمحرم في حرج شديد، وذلك ينافي التيسير الذي أراده تعالى لعباده، فإنه تعالى ما شَرَع التحلل للمحصر بالهدي إلا تيسيرًا عليه، وقد قال اللَّه تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الآية [الحجّ: ٧٨]، فإذا قلنا لوجوب الانتظار المذكور، فقد عاكسنا مراد الشارع الحكيم الرؤوف الرحيم، فتبصّر بالإنصاف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): لم يفرّق الشافعيّة، والحنابلُة في جواز التحلّل بين أن يكون الإحصار قبل الوقوف بعرفة، أو بعده. وخصّ الحنفية، والمالكيّة ذلك بما إذا كان قبل الوقوف.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الأولون هو الأرجح عندي؛ لإطلاق الأدلة التي تبيح التحلل عن تقييده بشيء. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): اختلفوا في أنه هل يجب على المحصر إراقة دم، أم لا، فقال جمهور العلماء بوجوبه، وبه قال أشهب من المالكية، وقال مالك: لا يجب، وتابعه ابن القاسم صاحبه.
ثم اختلف القائلون بوجوب الدم في محلّ إراقته، فقال الشافعيّة، والحنابلة يريقه حيث أُحصر، ولو كان من الحلّ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كذلك فعل في الحديبية، ودلّ على الإراقة في الحلّ قوله:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}[الفتح: ٢٥]، فدلّ على أن الكفار منعوهم من إيصاله إلى محله، وهو الحرم. ذكر هذا الاستدلال الشافعيّ. وقال عطاء، وابن إسحاق: بل نحو بالحرم، وخالفهما غيرهما من أهل المغازي، وغيرهم. وقال