للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حرامًا، أو أول من أظهره بعد الطوفان.

وقال القرطبيّ: معناه إن اللَّه حرّم مكة ابتداء، من غير سبب ينسب لأحد، ولا لأحد فيه مدخل، قال: ولأجل هذا أكّد المعنى بقوله: "ولم يحرمها الناس"، والمراد بقوله: "ولم يحرّمها الناس" أن تحريمها ثابتٌ بالشرع، لا مدخل للعقل فيه، أو المراد أنها من محرّمات اللَّه، فيجب امتثال ذلك، وليس من محرّمات الناس، يعني في الجاهلية، كما حرموا أشياء من عند أنفسهم، فلا يسوغ الاجتهاد في تركه. وقيل: معناه أن حرمتها مستمرّة من أول الخلق، وليس مما اختصّت به شريعة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - انتهى (١).

(فَهُوَ) أي البلد (حَرَامٌ) أي محرّمٌ محترمٌ (بِحُرْمَةِ اللَّهِ) أي بسبب حرمة اللَّه تعالى، فالباء للسببية. ويجوز أن تكون للملابسة، فيكَون متعلّقًا بمحذوف، أي متلبّسًا بحرمة اللَّه، وهو تأكيد للتحريم (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة) متعلق بحرام، وفيه إيماء إلى أن النسخ لا يلحقه. وقال الحافظ: قوله: "بحرمة اللَّه" أي بتحريمه تعالى. وقيل: الحرمة الحقّ، أي حرامٌ بالحقّ المانع من تحليله.

(لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) ببناء الفعل للمفعول، أي لا يقطع. وفي حديث أبي شُرَيح: "ولا يعضدُ بها شجر" قال ابن الجوزيّ: أصحاب الحديث يقولون: "يعضد" بضم الضاد، وقال لنا ابن الخشّاب: هو بكسرها، والمعضد بكسر أوله: الآلة التي يقطع بها. قال الخليل: المعضد: الممتهن من السيوف في قطع الشجر. وقال الطبريّ: أصله من عَضَدَ الرجل: إذا أصابه بسوء في عضده. ووقع في رواية لعمر بن شبّة بلفظ: "لا يخضد" بالخاء المعجمة بدل العين المهملة، وهو راجع إلى معناه، فإن أصل الخضد الكسر، ويستعمل في القطع.

(وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) بضم أوله، وتشديد الفاء المفتوحة، مبنيًّا للمفعول، أي لا يصاح عليه، فينفر. وقال سفيان بن عيينة: معناه أن يكون في ظلّ الشجرة، فلا ينفّر ليجلس مكانه، ويستظلّ. قال الطبريّ: لا خلاف أنه لو نفّره، وسلم فلا جزاء عليه، لكنه يأثم بارتكابه النهي، فلو أتلفه، أو تلف بتنفيره وجب جزاؤه. وقال النوويّ: يحرم التنفير، وهو الإزعاج عن موضعه، فإن نفّره عصى، سواء تلف، أو لا، فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن، وإلا فلا. قال العلماء: يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالأولى انتهى (٢).

وقال الحافظ: قيل: تنفير الصيد كناية عن الاصطياد. وقيل: هو على ظاهره. وفي "صحيح البخاريّ" عن خالد الحذّاء، عن عكرمة، قال: هل تدري "ما لا ينفّر صيدها؟ "


(١) - "المرعاة" ١٠/ ٤٦٣ - ٤٦٤.
(٢) - "المرعاة" ١٠/ ٤٦٨ - ٤٦٩.