للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"شرح التلخيص"، وقال به جماعة من علماء الشافعيّة، والمالكيّة. قال الطبريّ: من أتى حدًّا في الحلّ، واستجار بالحرم، فللإمام إلجاؤه إلى الخروج منه، وليس للإمام أن ينصب عليه الحرب، بل يُحاصره، ويضيّق عليه حتى يُذعن للطاعة؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وإنما أُحلّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس"، فعلم أنها لا تحلّ لأحد بعده بالمعنى الذي حلّت له به، وهو محاربة أهلها، والقتل فيها. ومال ابن العربيّ إلى هذا. وقال ابن المنيّر: قد أكّد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - التحريم بقوله: "حرّمه اللَّه"، ثم قال: "فهو حرام بحرمة اللَّه"، ثم قال: "ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار"، وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثاً، قال: فهذا نصّ لا يحتمل التأويل.

وقال القرطبيّ: ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالقتال؛ لاعتذاره عما أبيح له من ذلك مع أن أهل مكة كانوا إذ ذاك مسحقّين للقتال، والقتل؛ لصدّهم عن المسجد الحرام، وإخراجهم أهله منه، وكفرهم، وهذا الذي فهمه أبو شُريح كما في حديثه الآتي، وقال به غير واحد من أهل العلم.

وقال ابن دقيق العيد: يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دالّ على أن المأذون للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فيه لم يؤذن لغيره فيه، والذي وقع له إنما هو مطلق القتال، لا القتال الخاصّ بما يعمّ، كالمنجنيق، فكيف يسوغ التأويل المذكور؟ وأيضًا فسياق الحديث يدلّ على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها، وذلك لا يختصّ بما يستأصل. قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن مما ذُكر من التحقيقات المذكور أن القول الراجح تحريم القتال في الحرم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم، هل مكة فتحت عنوة، أو صلحًا؟:

ذهب جمع من أهل العلم إلى أنها فتحت عنوةً، وهو قول الأكثرين. وذهب الشافعيّ، وأحمد في رواية عنه إلى أنها فتحت صلحًا؛ واحتجّوا بتأمين النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أهلها, ولإضافة الدار إلى أهلها؛ ولأنها لم تقسم؛ ولأن الغانمين لم يملكوا دورها، وإلا لجاز إخراج أهل الدار منها.

واحتجّ الأولون بما وقع من تصريحه - صلى اللَّه عليه وسلم - من الأمر بالقتال، ووقوعه من خالد بن الوليد، وبتصريحه - صلى اللَّه عليه وسلم - بأنها أحلت له ساعة من نهار، ونهيه عن التأسي به في ذلك.

وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة، فقد تفتح البلدة عنوة، ويمنّ على أهلها، وُيترك لهم دورهم، وغنائمهم؛ لأن قسمة الأرض المغنومة ليست متفقًا


(١) - "فتح" ٤/ ٥٢٢ - ٥٢٣.