(وَلْيُبَلغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ") أي ليبلّغ الشخص الحاضر هذه الخطبة إلى من كتاب عنها. قال ابن جرير -رحمه اللَّه تعالى-: فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد؛ لأنه معلوم أن كلّ من شهد الخطبة قد لزمه الإبلاع، وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا وهو لازم له فرض العمل بما أُبلِغَهُ، كالذي لزم السامع سواءً، وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة انتهى.
زاد في رواية الشيخين في آخر الحديث: "فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شُريح، إن الحرم لا يُعيذ عاصيًا, ولا فارًّا بخُربة" انتهى.
وقوله: "لا يعيذ" بالذال المعجمة: أي لا يُجير، ولا يَعصِم. وقوله. "فارًّا" بالفاء، وتثقيل الراء: أي هاربًا، والمراد من وجب عليه القتل، فهرب إلى مكة مستجيرًا بالحرم، وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل، وفي تخصيصه العموم بلا مستند.
وقوله: "بخربة" بفتح المعجمة، وإسكان الراء، ثم موحدة. يعني السرقة. وقيل: "الخربة" بالضم: الفساد، وبالفتح: السرقة. وأصلها سرقة الإبل، ثم استعملت في كل سرقة. وعن الخليل: الخربة الفساد في الإبل. وقيل: العيب. وقيل: بضم أوله: العورة. وقيل: الفساد، وبفتحه الفعلة الواحدة من الخرابة، وهي السرقة.
وقد وَهِمَ من عدّ كلام عمرو بن سعيد هذا حديثًا، واحتجّ بما تضمنه كلامه. قال ابن حزم: لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.
وأغرب ابن بطال، فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دالّ على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور. ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره: "قال أبو شريح: فقلت لعمرو: قد كنتُ شاهدًا، وكنتَ غائبًا، وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد بلغتك". فهذا يشعر بأنه لم يوافقه، وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة.
وقال ابن بطال أيضًا: ليس قول عمرو جوابًا لأبي شُريح؛ لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدَّا في غير الحرم، ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحدّ عليه في الحرم، فإن أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة، ونصب الحرب عليها، فأحسن في استدلاله بالحديث، وحاد عمرو عن جوابه، وأجاب عن غير سؤاله.
وتعقّبه الطيبيّ بأنه لم يحد في جوابه، وإنما أجاب بما يقتضي القول بالموجب، كأنه قال له: صحّ سماعك، وحفظك، لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف