قال القاضي عياض: قال أبو الوليد الكنانيّ: هذا ليس بصحيح؛ لأن أم سلمة توفيت في خلافة معاوية - رضي اللَّه تعالى عنهما - قبل موته بسنتين، سنة تسع وخمسمين، ولم تدرك أيام ابن الزبير. قال القاضي: قد قيل: إنها توفيت أيام يزيد بن معاوية في أولها، فعلى هذا يستقيم ذكرها؛ لأن ابن الزبير نازع يزيد أول ما بلغته بيعته عند وفاة معاوية، ذكر ذلك الطبريّ، وغيره. وممن ذكر وفاة أم سلمة أيام يزيد أبو عمر ابن عبد البرّ في "الاستيعاب". وقد ذكر مسلم الحديث بعد هذه الرواية من رواية حفصة، وقال: عن أم المؤمنين، ولم يسمها.
قال الدارقطنيّ: هي عائشة، قال: ورواه سالم بن أبي الجعد عن حفصة، أو أم سلمة، وقال: والحديث محفوظ عن أم سلمة، وهو أيضًا محفوظ عن حفصة انتهى كلام القاضي.
قال النووي: وممن ذكر أن أم سلمة توفيت أيام يزيد بن معاوية أبو بكر بن أبي خيثمة انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وحديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - الذي أشار إليه الدارقطني أخرجه الشيخان، ولفظ البخاريّ من طريق محمد بن سوقة، عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: حدثتني عائشة - رضي اللَّه عنها -، قالت: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يُخسف بأولهم وآخرهم"، قالت: قلت: يا رسول اللَّه، كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟، قال:"يُخسَف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم".
ولفظ مسلم من طريق محمد بن زياد، عن عبد اللَّه بن الزبير، أن عائشة، قالت: عَبِثَ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في منامه، فقلنا: يا رسول اللَّه، صنعت شيئا في منامك، لم تكن تفعله، فقال:"العجب إن ناسا من أمتي، يَؤُمُّون بالبيت برجل، من قريش، قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء، خُسف بهم"، فقلنا: يا رسول اللَّه، إن الطريق قد يجمع الناس، قال:"نعم فيهم المستبصر، والمجبور، وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم اللَّه على نياتهم".
وقوله "عَبَثَ" قال القرطبيّ: وجدته مقيّدًا بفتح الباء: أي أتى بكلمات كأنها مختلطة، يقال: عَبَث الشيءَ يَعْبِثُهُ -بفتح الباء في الماضي، وكسرها في المضارع-: إذا خلطه. فأما عبِث بكسر الماضي، وفتحة المضارع، فمعناه لشعب. وقال النوويّ: هو بكسر