فقال: ما أظن أبا خُبيب -يعني ابن الزبير- سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها، فقال الحارث: بلى سمعته منها"، زاد عبد الرزاق، عن ابن جريج فيه: "وكان الحارث مصدّقًا، لا يكذب، فقال عبد الملك: أنت سمعتها تقول ذلك؟، قال: نعم، فنَكَتَ ساعة بعصاه، وقال: وددت أني تركته وما تحمل". وأخرجها أيضًا من طريق أبي قَزَعَةَ، قال: "بينما عبد الملك يطوف بالبيت، إذ قال: قاتل اللَّه ابن الزبير، حيث يكذب على أم المؤمنين -فذكر الحديث- فقال له الحارث: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدّث بهذا، فقال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه، لتركته على بناء ابن الزبير".
[تنبيه]: قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: جميع الروايات التي جمعتها هذه القصة متفقة على أن ابن الزبير جعل الباب بالأرض، ومقتضاه أن يكون الباب الذي زاده على سمته، وقد ذكر الأزرقيّ أن جملة ما غيّره الحجاج الجدار الذي من جهة الحِجْر، والباب المسدود الذي في الجانب الغربيّ عن يمين الركن اليماني، وما تحته عتبة الباب الأصليّ، وهو أربعة أذرع وشبر، وهذا موافق لما في الروايات المذكورة، لكن المشاهد الآن في ظهر الكعبة باب مسدود يقابل الباب الأصليّ، وهو في الارتفاع مثله، ومقتضاه أن يكون الباب الذي كان على عهد ابن الزبير لم يكن لاصقًا بالأرض، فيحتمل أن يكون لاصقًا كما صرّحت به الروايات، لكن الحجاج لما غيّره رفعه، ورفع الباب الذي يقابله أيضًا، ثم بدا له، فسدّ الباب المجدّد، لكن لم أر النقل بذلك صريحًا.
وذكر الفاكهيّ في "أخبار مكة" أنه شاهد هذا الباب المسدود من داخل الكعبة في سنة ثلاث وستين ومائتين، فإذا هو مقابل باب الكعبة، وهو بقدره في الطول والعرض، وإذا في أعلاه كلاليب ثلاثة كما في الباب الموجود سواء. فاللَّه أعلم انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): حكى ابن عبد البرّ، وتبعه عياض، وغيره، عن الرشيد، أو المهدقي، أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير، فناشده مالك في ذلك، وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك، فتركه.
قال الحافظ: وهذا بعينه خشية جدّهم الأعدى عبد اللَّه بن عباس - رضي اللَّه تعالى - عنهما، فأشار على ابن الزبير لَمّا أراد أن يهدم الكعبة، ويجدد بناءها بأن يَرُم ما وَهَى منها، ولا يتعرّض لها بزيادة، ولا نقص، وقال له: "لا آمن أن يجيء من بعدك أمير،