للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا هو المحفوظ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن، فإنه أدرك من حياتها نيّفًا وثلاثين سنة، وهو معها في بلد واحد. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: محل استدلال المصنف -رحمه اللَّه تعالى- على ما ترجم له قوله: "إذا أُقيمت الصلاة، فطوفي على بعيرك من وراء الناس"، فإنه يدلّ على أن النساء يطفن وراء الرجال، ولا يختلطن بهم، وفيه أن الاحتراز عن طواف النساء مع الرجال مهما أمكن أحسن، حيث أجاز لها في حال إقامة الصلاة التي هي حالة اشتغال الرجال بالصلاة، لا في حال طواف الرجال. واللَّه تعالى أعلم.

وقد أورد البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- على قوله: "باب طواف النساء مع الرجال" قصة إنكار عطاء على ابن هشام في منعه طواف النساء مع الرجال، ونصّه:

١٦١٨ - وقال لي عمرو بن علي: حدثنا أبو عاصم، قال: ابن جريج أخبرنا، قال: أخبرني عطاء، إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب، أو قبلُ؟، قال: إي لعمري، لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟، قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة - رضي اللَّه عنها -، تطوف حَجْرة (٢) من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك، وأبت، فكُنَّ يخرجن متنكرات بالليل، فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت، قمن حتى يدخلن، وأخرج الرجال، وكنت آتي عائشة أنا، وعبيد بن عمير، وهي مجاورة في جوف ثَبِير، قلت: وما حجابها؟، قال: هي في قبة تركية، لها غشاء، وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيت عليها دِرْعًا مُوَرَّدًا (٣).

وقوله: "إذ منع ابن هشام" قال الحافظ: هو إبراهيم، أو أخوه محمد بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم المخزوميّ، وكانا خالي هشام ابن عبد الملك، فولَّى محمدًا إمرة مكة، وولى أخاه إبراهيم إمرة المدينة، وفوّض هشام لإبراهيم إمرة الحجّ بالناس في خلافته، قال الحافظ: فلهذا قلت: يحتمل أن يكون المرادَ، ثم عذبهما يوسف بن عمر الثقفيّ حتى ماتا في محنته في أول ولاية الوليد بن يزيد بن عبد الملك بأمره سنة خمس وعشرين ومائة. قاله خليفة بن خياط في "تاريخه".

وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهيّ من طريق زائدة، عن إبراهيم النخعيّ، قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهنّ، فضربه بالدِّرَة. وهذا إن صحّ لم يعارض الأول؛ لأن ابن هشام منعهنّ أن يطفن حين


(١) - "فتح" ٤/ ٢٩١ - ٢٩٢.
(٢) - بفتح المهملة، وسكون الجيم، بعدها راء-: أي ناحية. يعني معتزلة من الرجال.
(٣) - "صحيح البخاري" ٤/ ٢٨٢ بنسخة "الفتح".