للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تطف بالبيت حتى تأتي الموقف".

(وَأَنْتَ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْهُ) وفي رواية مسلم من طريق جرير، عن وبرة: "وأنت أحبّ إلينا منه، رأيناه قد فتنته الدنيا، فقال: وأينا -أو أيكم- لم تفتنه الدنيا؟ ". قال النووي: ومعنى "فتنته الدنيا": لأنه تولّى البصرة، والولايات محلّ الخطر والفتنة، وأما ابن عمر فلم يتولّ شيئًا، وأما قول ابن عمر: "وأينا لم تفتنه الدنيا"، فهذا من زهده، وتواضعه، وإنصافه. انتهى (١).

(قَالَ) ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - (رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أَحْرَمَ بِالْحَجِّ) مفردًا أولاً، وإن كان أدخل عليه العمرة، فصار قارئًا، كما تقدّم تحقيق ذلك في محله (فَطَافَ بِالْبَيتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) يعني أنه ابتدأ بالطواف والسعي، قبل الخروج إلى منى، وعرفة.

وفي رواية مسلم: "فقال ابن عمر: فقد حجّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف، فبقول رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أحقّ أن تأخذ، أم بقول ابن عباس، إن كنت صادقًا؟ ". وفي رواية: "فسنة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أحقُّ أن تتبع من سنة فلان، إن كنت صاقًا".

قال النوويّ: قوله: "إن كنت صادقًا" معناه: إن كنت صادقًا في إسلامك، واتباعك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلا تعدل عن فعله، وطريقته إلى قول ابن عباس، وغيره. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: قوله: "إن كنت صادقًا" ورَعٌ منه لئلا يذكر ابن عباس بشيء ما ثبت عنه. ويمكن أن يُحمل إطلاق فتيا ابن عباس على الْمُرَاهَق (٣)، فإنه لا يُخاطب بطواف القدوم، أو يكون ابن عباس سئل عن طواف الإفاضة، فأجاب بأنه لا يفعل إلا بعد الوقوف، وهو الحقّ. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التأويل فيه نظر لا يخفى، فإن الروايات التي سنذكرها في المسألة الرابعة لا توافق التأويل المذكور، فإن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - كان يقول: إذا طاف المحرم بالبيت قبل الوقوف حلّ من إحرامه، فهذا صريح في كونه لا يرى طواف القدوم، وقد خالف بذلك الجمهور، وقولهم الصواب، كما سيأتي هناك، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو


(١) - "شرح مسلم" ٨/ ٤٤٣.
(٢) - "شرح مسلم" ٨/ ٤٤٢ - ٤٤٣.
(٣) - بصيغة اسم المفعول، وهو الذي ضاق عليه الوقت بالتأخير حتى يخاف فوت الوقوف بعرفة. أفاده في "النهاية" ٢/ ٢٧٤، وهذا الحمل غير صحيح، فإن المنقول عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - صريح في الإطلاق. فتنبّه.