ولا تخالف بين هذه الروايات، إذ يمكن أن تكون هذه الأشياء سببًا للمشروعية، فكانت أم إسماعيل أقدم، ثم إبراهيم - عليه السلام - بعد بناء البيت، ثم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حينما تحدث المشركون بضعفهم، وتأثير الحمى فيهم. واللَّه تعالى أعلم.
(وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ نَاحِيَةِ الْحِجْرِ) بكسر الحاء المهملة، وسكون الجيم. وفي رواية للبخاريّ:"والمشركون من قبل قُعَيقعان"، والمراد أن من كان هناك، يُشرف على الركنين الشاميين، ومن كان به لا يرى من بين الركنين اليمانيين (فَقَالُوا) أي المشركون لَمّا رأوا رَمَلَ الصحابة - رضي اللَّه تعالى عنهم - (لَهَؤُلَاءِ) بفتح اللام، وهي لام الابتداء (أَجْلَدُ مِنْ كَذَا) اسم تفضيل من الْجَلَد، وهو القوّة، أي أقوى. قال الشيخ عزّ الدين ابن عبد السلام -رحمه اللَّه تعالى-: فكان ذلك ضربًا من الجهاد، قال: وعلّته في حقّنا تذكر نعمة اللَّه تعالى على نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالعزة بعد الذلة، وبالقوة بعد الضعف، حتى بلغ عسكره - صلى اللَّه عليه وسلم - سبعين ألفًا انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا- ١٥٥/ ٢٩٤٦ و ١٧٦/ ٢٩٨٠ - وفي "الكبرى" ١٥٦/ ٣٩٤٢ و ١٧٦/ ٣٩٧٣. وأخرجه (خ) في "الحج" ١٦٠٢ و ١٦٤٩ و"المغازي" ٤٢٥٦ و ٤٢٥٧ (م) في "الحجّ" ١٢٦٤و ١٢٦٦ (د) في "المناسك" ١٨٨٥ و ١٨٨٦ و ١٨٨٩ و١٨٩٠ (ت) في "الحج" ٨٦٣ (ق) في "المناسك" ٢٩٥٣ (أحمد) في "مسند بني هاشم" ٢٣٠٥ و ٢٦٣٤ و٢٧٨١ و ٣٥٢٤. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان العلة التي شرع من أجلها الرمل في الطواف، وهو أن يرى المشركون الذين قالوا: سَيَقْدَم عليكم قوم وهنتهم حمّى يثرب. (ومنها): أن فيه مشروعية إظهار القوّة بالعُدّة، والسلاح، ونحو ذلك للكفّار إرهابًا لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم. (ومنها): جواز المعاريض بالفعل، كما يجوز بالقول، وربّما كانت بالفعل أولى. (ومنها): أن في قوله: "الأشواط" جواز تسمية الطوفة شوطًا. ونُقل عن مجاهد، والشافعيّ كراهة تسميتها شوطًا، أو دورًا، بل تسمّى طوفة، وهذا الحديث ظاهر في أنه لا كراهة في تسميها