والحاصل أن رواية المصنّف فيها نكارة، وأن الصواب أن من كان بينه وبين النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عهد، فأجله إلى مدته بالغًا ما بلغ، ومن لم يكن له عهد، أو كان له إلا أنه أقل من أربعة أشهر، فأجله تمام أربعة أشهر. واللَّه تعالى أعلم.
(وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَام مُشْرِكٌ) هو منتزع من قوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة: ٢٨]، والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام، ولو لم يقصدوا الحجّ، ولكن لما كان الحجّ هو المقصود الأعظم، صرّح لهم بالمنع منه، فيكون ما وراءه أولى بالمنع، والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله.
قال الحافظ: وأما ما وقع في حديث جابر - رضي اللَّه عنه - فيما أخرجه الطبريّ، وإسحاق في "مسنده"، والنسائيّ، والدارميّ، كلاهما عنه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبّان من طريق ابن جريج: حدثني عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحجّ، فأقبلنا معه، حتى إذا كنا بالْعَرْج ثوب بالصبح، فسمع رغوة ناقة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإذا عليّ عليها، فقال له: أميرٌ، أو رسولٌ؟، فقال: بل أرسلني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ببراءة، أقرأها على الناس، فقدمنا مكة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام أبو بكر، فخطب الناس بمناسكهم، حتى إذا فرغ قام عليّ، فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم كان يوم النحر كذلك، ثم يوم النفر كذلك". فيجمع بأن عليًّا - رضي اللَّه عنه - قرأها كلها في المواطن الثلاثة، وأما في سائر الأوقات، فكان يؤذن بالأمور المذكورة "أن لا يحجّ بعد العام مشرك الخ.
قال أبو هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - (فَكُنْتُ أُنَادِي، حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي) بكسر الحاء المهملة: أي ذهبت حِدّته. قال في "القاموس": صَحِلَ صوته، كفرح، فهو أصحل، وصَحِل: بَحَّ، أو احْتَدَّ في بَحَح، أو الصَّحَلُ محركةً: خشونة في الصدر، وانشقاق في الصوت من غير أن يستقيم انتهى.
والحديث صحيح، أخرجه المصنف هنا١٦١/ ٢٩٥٩ - وفي "الكبرى" ١٥٩/ ٣٩٤٩ و"التفسير" ١١٢١٤. وأخرجه أحمد في "باقي مسند المكثرين" ٧٩١٧. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".