للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: في الحديث أن المحرم إذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات، يسنّ له طواف القدوم، وهو مجمع عليه. وفيه أن الطواف سبعة أشواط. وفيه أن السنة الرمل في الثلاث الأول، ويمشي على عادته في الأربع الأخيرة انتهى (١).

(ثُمَّ قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ) أي مقام إبراهيم - عليه السلام - (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥]) ظاهر هذه الرواية أن قراءته - صلى اللَّه عليه وسلم - للآية بعد الصلاة، وظاهر الرواية التالية أن قراءته كان قبل الصلاة، وهو ظاهر رواية مسلم. ويمكن أن يُجمَع بينهما بأن المراد بقوله: "فصلى" أي أراد الصلاة، ثم قرأ عند ذلك، فصلّى الركعتين. ويحتمل أنه قرأ الآية مرتين، مرّة قبل الصلاة، إشارة إلى أنَّ فعله هذا تفسير للآية، ومرّة بعد الصلاة، تنبيهًا للناس حتى يمتثلوا الأمر، ويقتدوا به، ويؤيّد هذا قوله: "ورفع صوته يسمع الناس". واللَّه تعالى أعلم.

(وَرَفَعَ صَوْتَهُ، يُسْمِعُ النَّاسَ) جملة في مَحَلّ نصب على الحال: أي حال كونه مسمعًا الناس قراءته (ثُمَّ انْصَرَفَ) أي عن محلّ صلاته (فَاسْتَلَمَ) أي الحجر الأسود. قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: فيه دلالة لما قاله الشافعيّ وغيره من العلماء: إنه يستحبّ للطائف طواف القدوم إذا فرغ من الطواف، وصلاته خلف المقام أن يعود إلى الحجر الأسود، فيستلمه، ثم يخرج من باب الصفا ليسعى، واتفقوا على أن هذا الاستلام ليس بواجب، وإنما هو سنة، لو تركه لم يلزمه دم انتهى (٢).

(ثُمَّ ذَهَبَ) وفي رواية: "ثم خرج من الباب إلى الصفا" (فَقَالَ: "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، فّبَدَأَ بِالصَّفَا) أي لأن اللَّه تعالى بدأ بذكره في كتابه، فالترتيب الذكريّ له اعتبار في الأمور الشرعية، إما وجوبًا، وإما استحبابًا، وإن كانت الواو لمطلق الجمع في الآية.

قال السنديّ: هذا يفيد أن بداءة اللَّه تعالى ذكرًا تقتضي البداءة عملاً، والظاهر أنه يقتضي ندب البداءة عملاً، لا وجوبًا، والوجوب فيما نحن فيه من دليل آخر انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الوجوب يستفاد من صيغة الأمر في قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في الحديث التالي: "فابدءوا بما بدأ اللَّه به". واللَّه تعالى أعلم.

(فَرَقِيَ) بكسر القاف، من باب تعب: أي صعد (عَلَيْهَا) أي على الصفا، وأنثها باعتبار البقعة، وقد ذكر الفيوميّ أنه يذكر، ويؤنث، باعتبار المكان، والبقعة (حَتَى بَدَا لَهُ الْبَيْتُ) أي حتى ظهرت له الكعبة. زاد في رواية: "فاستقبل القبلة" (فَقَالَ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: "لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ") أي لا معبود بحقّ إلا اللَّه (وَحْدَهُ) حال مؤكدة، أي منفردًا بالألوهية، أو متوحدًا بالذات (لَا


(١) - "شرح مسلم" ٨/ ٤٠٦.
(٢) - "شرح مسلم" ٨/ ٤٠٧.