شَرِيكَ لَهُ) في الألوهية، فيكون تأكيدًا، أو في الصفات، فيكون تأسيسًا، وهو الأولى (لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْييِ وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ") زاد في رواية مسلم: "أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" (فَكَبَّرَ اللَّهَ) أي قال: اللَّه أكبر (وَحَمِدَهُ) أي قال: الحمد للَّه (ثُمَّ دَعَا بمَا قُدِّرَ لَهُ) ولفظ مسلم: "ثم دعا بين ذلك، فقال: مثل هذا ثلاث مرات". وفيه أنه يقول الَذكر ثلاث مرات، ويدعو بعد كلّ مرّة.
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: في هذا أنواع من المناسك: منها أن السعي يشترط فيه أن يبدأ من الصفا، وبه قال الشافعيّ، ومالك، والجمهور. ومنها: أن ينبغي أن يرقى على الصفا والمروة، وفي هذا الرقيّ خلاف، قال جمهور أصحابنا: هو سنة، ليس بشرط، ولا واجب، فلو تركه صحّ سعيه، لكن فاتته الفضيلة. قال أصحابنا: يستحبّ أن يرقى على الصفا والمروة حتى يرى البيت إن أمكنه. ومنها: أنه يسنّ أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة، ويذكر اللَّه تعالى بهذا الذكر، ويدعو، ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات. هذا هو المشهور عند أصحابنا. وقال جماعة من أصحابنا: يكرر الذكر ثلاثًا، والدعاء مرتين فقط، والصواب الأول. انتهى (١).
(ثُمَّ نَزَلَ مَاشِيًا) أي إلى المروة (حَتَّى تَصَوَّبَتْ قَدَمَاهُ) ولفظ مسلم: "حتى انصبّت قدماه" أي انحدرتا بسهولة، ومنه: "إذا مشى كأنه ينحطّ في صبب" أي موضع منحدر، وهو مجاز من قولهم: صببت الماء، فانصبّ، أي سكبته، فانسكب (فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ) وفي رواية مسلم: "في بطن الوادي" والمعنى واحد، وأراد بذلك المنخفض من الوادي (فَسَعَى) أي أسرع في المشي مع تقارب خطاه (حَتَّى صَعِدَتْ قَدَمَاهُ) أي ارتفعتا عن بطن الوادي، وخرجتا منه إلى الطرف الأعلى (ثُمَّ مَشَى) أي سار على السكون، يعني أنه إذا بلغ المرتفع من الوادي مشى باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه.
قال النوويّ: فيه استحباب السعي الشديد في بطن الوادي حتى يصعد، ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه. وهذا السعي مستحبّ في كلّ مرّة من المرّات السبع في هذا الموضمع، والمشي مستحبّ فيما قبل الوادي وبعده، ولو مشى في الجميع، أو سعى في الجميع أجزأه، وفاتته الفضيلة. هذا مذهب الشافعيّ، وموافقيه. وعن مالك فيمن ترك السعي الشديد في موضعه روايتان: إحداهما كما ذُكر. والثانية تجب عليه إعادته انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الشافعيّ، وموافقوه هو الحقّ؛ إذ لا دليل على الوجوب. واللَّه تعالى أعلم.