(حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَصَعِدَ فِيهَا) بكسر العين، من باب تعب (ثُمَّ بَدَا) أي ظهر (لَهُ الْبَيْتُ، فَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلً شَيء قَدِيرٌ"، قَالَ: ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهَ، وَسَبَّحَهُ، وَحَمِدَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهَا) أي على المروة (بِمَا شَاءَ اللَّهُ، فَعَلَ هَذَا حَتَّى فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ) أي السعي بين الصفا والمروة. ولفظَ مسلم: "حتى إذا كان آخر طوافه على المروة".
قال النوويّ: فيه دلالة لمذهب الشافعيّ، والجمهور أن الذهاب من الصفا إلى المروة يُحسب، مرّة، والرجوع إلى الصفا ثانية، والرجوع إلى المروة ثالثة، وهكذا، فيكون ابتداء السبع من الصفا، وآخرها بالمروة. وقال ابن بنت الشافعيّ، وأبو بكر الصيرفيّ من أصحابنا: يحسب الذهاب إلى المروة، والرجوع إلى الصفا مرّة واحدة، فيقع آخر السبع في الصفا. وهذا الحديث يردّ عليهما، وكذلك عمل المسلمين على تعاقب الأزمان. واللَّه أعلم انتهى (١).
والحديث أخرجه مسلم، وتقدّم الكلام على مسائله في -٤٦/ ٢٧١٢ - فراجعه تستفد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٢٩٦٣ - (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ, قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, طَافَ سَبْعًا, رَمَلَ ثَلَاثًا, وَمَشَى أَرْبَعًا, ثُمَّ قَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} , فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ, وَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ, وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ, ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ, ثُمَّ خَرَجَ, فَقَالَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] , فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وقد تقدّموا غير مرّة. و"إسماعيل": هو ابن جعفر المدنيّ.
والحديث أخرجه مسلم، وقد سبق تمام البحث فيه في الحديث الماضي. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
(١) - "شرح مسلم" ٨/ ٤٠٩.