وروى الأزرقيّ عن العباس بن عبد المطّلب - رضي اللَّه تعالى عنه - قال: تنافس الناس في زمزم في زمن الجاهلية، حتى إن كان أهل العيال يفدون بعيالهم، فيشربون، فيكون صبوحًا لهم، وقد كنا نعدّها عونًا على العيال. قال العباس: وكانت زمزم في الجاهلية تسمى شُبَاعة.
وفي غريب الحديث لابن قُتيبة عن عليّ بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - قال:"خير بئر في الأرض زمزم، وشر بئر في الأرض برهوت". قال ابن قُتيبة: برهوت بئر بحضرموت، يقال: إن أرواح الكفّار فيها، وذكر له دلائل.
قال الأزرقيّ: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعًا، كلّ ذلك بنيان، وما بقي فهو جبل منقور، وهي تسعة وعشرون ذراعًا، وذَرْعُ تدويرِ فم زمزم أحد وعشرون ذراعًا، وسعة فم زمزم ثلاث أذرع وثلثا ذراع، وعلى البئر مكبس ساج مربع، فيه اثنتا بكرة يستقى عليها. وأول من عمل الرخام على زمزم، وعلى الشباك، وفرش أرضها بالرخام أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته، قال الأزرقيّ: ولم تزل السقاية بيد عبد مناف، فكان يستقي الماء من بئر كرادم، وبئر خم على الإبل في المزاد، والقِرَب، ثم يسكب ذلك الماء في حياض من أدم بفناء الكعبة، فيرده الحاج، حتى يتفرّقوا، وكان يستعذب لذلك الماء، ثم وليها من بعده ابنه هاشم بن عبد مناف، ولم يزل يسقي الحاجّ حتى توفّي، فقام بأمر السياقة من بعده ابنه عبد المطلب بن هاشم، فلم يزل كذلك حتى حفر بئر زمزم، فعفت على آبار مكة كلها، فكان منها يشرب الحاجّ، وكانت لعبد المطلب إبل كثيرة، فإذا كان الموسم جمعها، ثم يسقي من لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم، ويشتري الزبيب، فينبذه بماء زمزم، وكانت إذ ذاك غليظة جدًّا، وكان للناس أسقية كثيرة، يستقون منها الماء، ثم ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر؛ لكثر غلظ الماء، وكان الماء العذب بمكة عزيزًا، لا يوجد إلا لإنسان يُستعذب له من بئر ميمون، وخارج من مكة (١)، فلبث عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي، فقام بأمر السقاية بعده ابنه العباس بن عبد المطلب، فلم تزل في يده، وكان للعباس كَرْمٌ بالطائف، فكان يحمل زبيبه، وكان يداين أهل الطائف، ويقتضي منهم الزبيب، فينبذ ذلك كله، ويسقيه الحاجّ في أيام الموسم، حتى مضت الجاهلية، وصدر من الإسلام، ثم أقرها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في يد العباس يوم الفتح، ثم لم تزل في يد العباس حتى توفي، فوليها بعده ابنه عبد اللَّه بن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، فكان يفعل ذلك كفعله، ولا
(١) - هكذا نسخة "التهذيب" "وخارج من مكة"، ولعله "من خارج مكة"، فليحرر الصواب. واللَّه أعلم.