أنس، قال: وهو قول عطاء، ومجاهد، وميمون بن مهران. وروى البيهقيّ في "المعرفة" هذه القراءة عن ابن عباس، وأنه قال: فنسختها هذه الآية: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: ١٣٠]، فلما نزلت طافوا بين الصفا والمروة. قال البيهقيّ: وهذه الرواية إن صحّت تدلّ على أن الأمر فيه صار إلى الوجوب.
(المذهب الرابع): أن على من ترك السعي أن يأتي بعمرة. رواه ابن أبي شيبة عن طاوس، وحكاه عنه ابن المنذر.
(المذهب الخامس): أنه إن ترك من السعي أربعة أشواط، فعليه دم، وإن ترك دونها لزم لكلّ شوط نصف صاع. حكاه ابن المنذر عن أصحاب الرأي، وحكاه الدارميّ من الشافعيّة عن أبي حنيفة، قال: وحكى ابن القطّان عن أبي عليّ قولاً كمذهب أبي حنيفة. قال النوويّ في "شرح المهذب": وهذا القول شاذّ غلطٌ.
وقال ابن المنذر: واختُلف عن عطاء، فروي عنه أنه لا شيء على من تركه. وروي عنه أنه قال: عليه دم. وروي عنه أنه قال: يطعم مساكين، أو يذبح شاة يطعمها المساكين انتهى. وهذه الرواية الأخير عن عطاء قول سادس.
واعلم أن ابن العربيّ في "شرح الترمذيّ" حكى إجماع الأمة على أن السعي ركن في العمرة، وجعل الخلاف في الحجّ فقط.
قال الحافظ وليّ الدين: ولم أر لغيره تعرّضًا لذلك، ويخالفه صريحًا كلام ابن حزم، فإنه حكى الخلاف في العمرة، وحكي عن ابن عباس أنه قال: العمرة الطواف بالبيت، وكذلك ابن عبد البرّ حكى الخلاف عن أبي حنيفة، وصاحبيه في الحجّ والعمرة. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح المذاهب عندي المذهب الأول، وهو مذهب الجمهور، وهو أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحجّ والعمرة؛ لقوة أدلّته، كما أسلفتُ بيانها قريبًا.
والحاصل أن القول بركنيّة السعي هو الحقّ الذي لا مرية فيه، وليس لمخالفيه دليلٌ يُعتمد عليه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٢٩٦٩ - (أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي, عَنْ شُعَيْبٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ عُرْوَةَ, قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ, عَنْ قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ, أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, قَالَتْ عَائِشَةُ: بِئْسَمَا قُلْتَ: يَا
(١) - "طرح التثريب" ٥/ ١٠٦ - ١٠٨.