للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابْنَ أُخْتِي, إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَوْ كَانَتَ كَمَا أَوَّلْتَهَا, كَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا, وَلَكِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الأَنْصَارِ, قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ, الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ عِنْدَ الْمُشَلَّلِ, وَكَانَ مَنْ أَهَلَّ لَهَا, يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ, أَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} , ثُمَّ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا, فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بِهِمَا).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "عمرو بن عثمان": هو أبو حفص الحمصيّ، صدوق [١٠] ٢١/ ٥٣٥. و"أبوه": هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، أبو عمرو الحمصيّ، ثقة عابد [٩] ٦٩/ ٨٥. و"شعيب": هو ابن أبي حمزة الحمصيّ الثقة الثبت.

وقوله: "أن لا يطوّف" أي بأن لا يطوف، أو في أن لا يطوف، فهو بتقدير حرف الجرّ.

وقوله: "لو كانت كما أولتها الخ" أي لو كان المراد بالنصّ ما تقول، وهو عدم الوجوب، لكان نظمه: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، تريد أن الذي يُستعمل للدلالة على عدم الوجوب عينًا، هو رفع الإثم عن الترك، وأما رفع الإثم عن الفعل، فقد يستعمل في المباح، وقد يستعمل في المندوب، أو الواجب أيضًا، بناء على أن المخاطب يتوهّم فيه الإثم، فيخاطب بنفي الإثم، وإن كان الفعل في نفسه واجبًا، وفيما نحن فيه كذلك، فلو كان المقصود في هذا المقام الدلالة على عدم الوجوب عينًا لكان الكلام اللائق بهذه الدلالة أن يقال: فلا جناح عليه أن لا يتطوّف بهما. قاله السنديّ (١).

وقال الحافظ السيوطيّ: هذا من بديع فقهها؛ لأن ظاهر الآية رفع الجناح عن الطائف بالصفا والمروة، وليس هو بنصّ فى سقوط الوجوب، فأخبرته أن ذلك محتمل، ولو كان نصًّا في ذلك لقال: فلا جناح عليه أن لا يطوف؛ لأن هذا يتضمّن سقوط الإثم عمن ترك الطواف، ثم أخبرته أن ذلك إنما كان؛ لأن الأنصار تحرّجوا بذلك الموضع في الإسلام، فأخبروا أن لا حرج عليهم انتهى (٢).

وقوله: "يهُلّون " بضم الياء، من الإهلال، أي يحجون.

وقوله: "لمناة" بفتح الميم والنون الخفيفة: صنمٌ كان في الجاهلية. وقال ابن الكلبيّ: كانت صخرة نصبها عمرو بن لُحيّ لهُذيل، وكانوا يعبدونها، والطاغية صفة لها إسلامية.


(١) - "شرح السنديّ" ٥/ ٢٣٨.
(٢) - "زهر الربى" ٥/ ٢٣٨ - ٢٣٩.