للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: "بالمشلّل" بضم أوله، وفتح المعجمة، ولامين، الأولى مفتوحة مثقّلة، هي الثنيّة المشرفة على قُديد. وفي رواية للبخاريّ: "كانوا يُهلّون لمناة، وكانت مناة حَذْوَ قُديد". أي مقابله، و"قُديد" بقاف مصغّرًا: قرية جامعة، بين مكة والمدينة، كثيرة المياه. قاله أبو عُبيد البكريّ (١).

وقوله: "وكان من أهلّ لها يتحرج أن يطوف الخ" قال في "الفتح": ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة، ويقتصرون على الطواف بمناة، فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك، ويصرّح بذلك رواية سفيان بلفظ: "إنما كان من أهلّ بمناة الطاغية التي بالمشلّل لا يطوفون بين الصفا والمروة". وفي رواية معمر عن الزهريّ: "إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة". أخرجه البخاريّ تعليقًا، ووصله أحمد وغيره. وفي رواية يونس، عن الزهريّ، عند مسلم: "إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسّان يُهلّون لمناة، فتحرّجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وكان ذلك سنة في آبائهم، من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة". فطرق الزهريّ متّفقة، وقد اختلف فيه على هشام بن عروة، عن أبيه، فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهريّ، ورواه أبو أسامة عنه بلفظ: "إنما أنزل اللَّه هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلّوا لمناة في الجاهلية، فلا يحلّ لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة"، أخرجه مسلم.

وظاهره يوافق رواية الزهريّ، وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه الفاكهيّ من طريق عثمان بن وَسّاج، عنه: "أن عمرو بن لُحيّ نَصب مناةَ على ساحل البحر مما يلي قُديدًا، فكانت الأزد، وغسّان يحجونها، ويعظّمونها، إذا طافوا بالبيت، وأفاضوا من عرفات، وفرغوا من منى أتوا مناة، فأهلّوا لها، فمن أهلّ لها لم يطف بين الصفا والمروة، قال: وكانت مناة للأوس، والخزرج، والأزد، من غسّان، ومن دان دينهم من أهل يثرب". فهذا يوافق رواية الزهريّ. وأخرج مسلم من طريق أبي معاوية، عن هشام هذا الحديث، فخالف جميع ما تقدّم، ولفظه: "إنما كان ذلك؛ لأن الأنصار كانوا يهُلّون في الجاهليّة لصنمين على شطّ البحر، يقال لهما: إساف، ونائلة، فيطوفون بين الصفا والمروة، ثم يحلّون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية". فهذه الرواية تقتضي أن تحرّجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئًا كانوا يفعلونه في الجاهليّة؛ لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع، فخَشُوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع، فهذه الرواية توجيهها ظاهر، بخلاف رواية أبي أسامة، فإنها تقتضي أن التحرّج عن الطواف بين


(١) - "فتح" ٤/ ٣٠٧.