للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الظهر في أول وقتها، هذا هو الصحيح المشهور من منصوص الشافعيّ. وفيه قول ضعيف أنهم يصلّون الظهر بمكة، ثم يخرجون. وقال المهلّب: الناس في سعة من هذا، يخرجون متى أحبّوا، ويصلّون حيث أمكنهم، ولذلك قال أنس: "صلّ حيث يصلي أمرؤك". والمستحبّ في ذلك ما فعله الشارع: "صلى الظهر والعصر بمنى". وهو قول مالك، والثوريّ، وأبي حنيفة، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور. وقال ابن حبيب: إذا مالت الشمس يطوف بالبيت سبعًا، ويركع، ويخرج، وإن خرج قبل ذلك فلا حرج. وعادة أهل مكة أن يخرجوا إلى منى بعد صلاة العشاء. وكانت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - تخرج ثلث الليل. وهذا يدلّ على التوسعة، وكذلك المبيت عن منى (١) ليلة عرفة ليس فيه حرج، إذا وافى عرفة ذلك الوقت الذي يخيّر، وليس فيه جبر كما يجبر ترك المبيت بها بعد الوقوف، أيام رمي الجمار، وبه قال أبو حنيفة، والشافعيّ، وأبو ثور انتهى كلام العينيّ (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: التي تؤيّده الأدلة الصحيحة استحباب الصلوات الخمس في منى من ظهر يوم التروية إلى فجر عرفة، ففي حديث جابر - رضي اللَّه تعالى عنه - الطويل عند مسلم: "فلما كان يوم التروية توجّهوا إلى منى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فصلّى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر … " الحديث. وروى أبو داود، والترمذيّ، وأحمد، والحاكم، من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: "صلّى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الظهر يوم التروية، والفجر يوم عرفة بمنى". ولأحمد من حديثه: "صلّى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بمنى خمس صلوات". ولابن خزيمة، والحاكم من طريق القاسم بن محمد، عن عبد اللَّه بن الزبير، قال: "من سنة الحجّ أن يصلّي الإمام الظهر وما بعدها، والفجر بمنى، ثم يغدون إلى عرفة".

فلا ينبغي للحاجّ أن يُهمل هذه السنة، فيتأَخّرَ بمكة، وكذا لا ينبغي له أن يتقدّم قبل يوم التروية بيوم أو يومين، إذ ليس عليه دليل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) هكذا نسخة "العمدة" وفيها ركاكة، ولعل الصواب: "وكذلك ترك المبيت في منى ليلة عرفة الخ". واللَّه تعالى أعلم.
(٢) - "عمدة القاري" ٨/ ١٥١.