للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرعيًّا؟، قال: وكلاهما محتمل، لكن يعضد من قال بالثاني قوله في الرواية الأخرى: "وضوءًا خفيفًا"؛ لأنه يقال في الناقص خفيف، ومن موضّحات ذلك أيضًا قول أسامة له: "الصلاة"، فإنه يدلّ على أنه رآه يتوضّأ للصلاة، ولذلك قال له: أتصلّي. كذا قال ابن بطال فيه نظر؛ لأنه لا مانع أن يقول له ذلك؛ لاحتمال أن يكون مراده أتريد الصلاة، فلم لم تتوضّأ وضوءها؟، وجوابه بأن الصلاة أمامك، معناه أن المغرب لا تصلّى هنا، فلا تحتاج إلى وضوء الصلاة، وكأن أسامة ظنّ أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - نسي صلاة المغرب، ورأى وقتها قد كاد أن يخرج، أو خرج، فأعلمه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنها في تلك الليلة يشرع تأخيرها لتجمع مع العشاء بالمزدلفة، ولم يكن أسامة يعرف تلك السنّة قبل ذلك.

وأما اعتلال ابن عبد البرّ بأن الوضوء لا يشرع مرّتين لصلاة واحدة، فليس بلازم؛ لاحتمال أنه توضّأ ثانيًا عن حدث طارىء، وليس الشرط بأنه لا يشرع تجديد الوضوء إلا لمن أدّى به صلاةً، فرضًا، أو نفلاً متّفقًا عليه، بل ذهب جماعة إلى جوازه، وإن كان الأصحّ خلافه.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "وإن كان الأصحّ خلافه" أصحية هذا القول ليس عليه دليل، بل الذي تدلّ عليه الأدلة الصحيحة مشروعية تجديد الوضوء، مطلقًا، سواء أدى به عبادة، أم لا؟؛ لأن الوضوء عبادة بنفسه، وقد تقدّم تحقيق ذلك في "أبواب الطهارة" برقم ١٠٨/ ١٤٧، فراجعه تستفد. واللَّه تعالى أعلم.

قال: وإنما توضّأ أوّلاً ليستديم الطهارة، ولا سيّما في تلك الحالة لكثرة الاحتياج إلى ذكر اللَّه حينئذ، وخفف الوضوء لقلة الماء حينئذ. وقال الخطّابيّ: إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه، وتجوّز فيه؛ لأنه لم يُرد أن يصلّي به، فلما نزل، وأرادها أسبغه. انتهى (١).

قال أسامة - رضي اللَّه تعالى عنه - (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الصَّلَاةَ) قال أبو البقاء: الوجه النصب على تقدير: تريد الصلاةَ؟، أو أتصلّي الصلاةَ؟. وقال القاضي عياض: بالنصب على الإغراء، ويجوز الرفع على إضمار فعل، أي حانت الصلاةُ، أو حَضَرت انتهى.

(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (الصَّلَاة) بالرفع على الابتداء على حذف مضاف، أي محلّ الصلاة (أَمَامَك) منصوب على الظرفية، متعلّق بخبر المبتدا أي كائن قدّامك. وقال في "الفتح": "أمامك" بفتحة الهمزة، والنصب على الظرفية، أي الصلاةُ ستصلّى بين يديك، أو أطلق الصلاة على مكانها، أي المُصَلَّى بين يديك، أو معنى "أمامك" لا تفوتك، وستدركها انتهى (فَلَمَّا أَتيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ، لَمْ يَحُلَّ) بفتح حرف المضارعة، وضم


(١) - "فتح" ٤/ ٣٣٤.