الناس فيه للمغرب"، والمراد بالخلفاء، والأمراء في هذا الحديث بنو أميّة، فلم يوافقهم ابن عمر على ذلك، وجاء عن عكرمة إنكار ذلك. وروى الفاكهيّ أيضًا من طريق ابن أبي نَجيح سمعت عكرمة يقول: اتخذه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مبالاً، واتخذتموه مصلّى، وكأنه أنكر بذلك على من ترك الجمع بين الصلاتين لمخالفته السنة في ذلك، وكان جابر يقول: لا صلاة إلا بجمع. أخرجه ابن المنذر بإسناد صحيح. ونقل عن الكوفيين. وعن ابن القاسم صاحب مالك، وجوب الإعادة، وعن أحمد: إن صلّى أجزأه، وهو قول أبي يوسف، والجمهور. قاله في "الفتح" (١).
(فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا) أي خفّفه بأن توضّأ مرّةً مرّةً، وخفّف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته.
وفي رواية البخاريّ من طريق مالك، عن موسى بن عقبة، عن كريب: "ثم توضّأ، ولم يُسبغ الوضوء"، وهو بمعنى قوله هنا: "ثم توضّأ وضوءًا خفيفًا".
وأغرب ابن عبد البرّ، فقال: معنى قوله: "فلم يُسبغ الوضوء"، أي استنجى به، وأطلق عليه اسم الوضوء اللغويّ؛ لأنه من الوضاءة، وهي النظافة، ومعنى الإسباغ الإكمال، أي لم يكمل وضوءه، فيتوضّأ للصلاة، قال: وقد قيل: إنه توضّأ وضوءًا خفيفا، ولكن الأصول تدفع هذا؛ لأنه لا يشرع الوضوء لصلاة واحدة مرّتين، وليس ذلك في رواية مالك، ثم قال: وقد قيل: إن معنى قوله: "لم يسبغ الوضوء"، أي لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء، بل اقتصر على بعضها، واستضعفه انتهى. وحكى ابن بطّال أن عيسى بن دينار من قدماء أصحابهم سبق ابن عبد البرّ إلى ما اختاره أوّلاً.
قال الحافظ": وهو متعقّبٌ بهذه الرواية الصريحة، وقد تابع محمد بن أبي حرملة- يعني الراوي عن كريب- عليها محمد بن عقبة أخو موسى، أخرجه مسلم بمثل لفظه، وتابعهما إبراهيم بن عقبة، أخو موسى أيضًا، أخرجه مسلم أيضًا، بلفظ:"فتوضّأ وضوءًا ليس بالبالغ". وأخرجه البخاريّ من طريق موسى بن عقبة بلفظ:"فجعلت أصبّ عليه، ويتوضّأ". ولم تكن عادته - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يباشر ذلك أحدٌ منه حال الاستنجاء، ويوضّحه ما أخرجه مسلم أيضًا من طريق عطاء، مولى ابن سباع، عن أسامة في هذه القصّة، قال فيها أيضًا:"ذهب إلى الغائط، فلما رجع صببت عليه من الإداوة".
قال القرطبيّ: اختلف الشرّاح في قوله: "ولم يسبغ الوضوء"، هل المراد به اقتصر به على بعض الأعضاء، فيكون وضوءًا لغويًا، أو اقتصر على بعض العدد، فيكون وضوءًا