للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنهما، كما سبق في ترجمته، فكيف يصحّ مع هذا الانقطاع؟.

[قلت]: إنما صحّ بمجموع طرقه المتعدّدة، فقد رواه البخاريّ في "التاريخ الصغير"، وأحمد، والترمذيّ، والطحاويّ من طريق مقسم، عن ابن عبّاس بمعناه، وزيادة ونقص، وصحّحه الترمذيّ وغيره.

وقال الحافظ في "الفتح": بعد ذكر حديث الباب: هو حديث حسنٌ، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، والطحاويّ، وابن حبّان، من طريق الحسن العرَنيّ عن ابن عباس، وأخرجه الترمذيّ، والطحاويّ من طريق الحكم، عن مقسم، عنه. وأخرجه أبو داود من طريق حبيب، عن عطاء (١)، وهذه الطرق يقوّي بعضها بعضًا، ومن ثمّ صححه الترمذيّ، وابن حبّان انتهى. وقد تقدّم تخريجه في - ٢٠٨/ ٣٠٣٣ - واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في أول وقت الرمي:

اعلم أنهم اختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه رمي جمرة العقبة للضعفة، وغيرهم، مع إجماعهم على أن من رماها بعد طلوع الشمس أجزأه:

فذهبت أسماء بنت أبي بكر، وعكرمة، وخالد، وطاوس، والشعبيّ، وعطاء، والشافعيّ، وأحمد، إلى أن أول الوقت الذي يجزىء فيه رمي جمرة العقبة، هو ابتداء النصف الأخير من ليلة النحر، واستُدلّ لهم بحديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - الآتي في الباب التالي، وحديثها عند أبي داود بإسناد صحيح، قالت: أرسل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت، فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون عندها رسول اللَّه (٢) - صلى اللَّه عليه وسلم -. ويعتضد بما رواه الخلّال من طريق سليمان ابن أبي داود، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أخبرتني أم سلمة، قالت: قدّمني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - فيمن قدّم من أهله ليلة المزدلفة، قالت: فرميت بليل، ثم مضيت إلى مكة، فصليت بها الصبح، ثم رجعت إلى منى. كذا ذكره ابن القيّم.

وذهب جماعة إلى أن أول وقته بعد طلوع الفجر، وأول الوقت المستحبّ بعد طلوع الشمس، وما بعد الزوال إلى الغروب وقت الجواز بلا إساءة، فإن رمى قبل طلوع الشمس، وبعد طلوع الفجر جاز، وإن رماها قبل الفجر أعادها. وبهذا قال مالك، وأبو حنيفة، واستدلّ لهم بما رواه الطحاويّ بسنده عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يأمر نساءه وثقله صبيحة جمع أن يُفيضوا مع أول الفجر بسواد، ولا يرموا إلا مصبحين، وفي رواية أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعثه في الثقل، وقال: لا ترموا الجمار


(١) رواية عطاء هي التي أورها المصنف بعد هذه الرواية.
(٢) - قال في "بلوغ المرام": إسناده على شرط مسلم، وكذا قال النوويّ في "شرح المهذّب".