وذهب النخعيّ، ومجاهد، والثوريّ، وأبو ثور إلى أن أول وقته يبتدىء من بعد طلوع الشمس، فلا يجوز رميها عندهم إلا بعد طلوع الشمس. واستدلوا بحديث ابن عباس المذكور في الباب، قالوا. إذا كان من رُخّص له مُنع أن يرمي قبل طلوع الشمس، فمن لم يرخّص له أولى.
وذهب بعضهم إلى أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر، ولغيرهم من بعد طلوع الشمس، وهو اختيار ابن القيّم. واستدلّ لذلك بما تقدّم عن أسماء - رضي اللَّه تعالى - عنها - أنها رمت الجمرة، ثم رجعت، فصلت الصبح في منزلها، وقالت: إن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أذن في ذلك للظعن، والحديث في "الصحيحين".
فهذا صريح في أنها رمت الجمرة قبل طلوع الشمس، بل بغلس، وقد صرّحت بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أذن في ذلك للظعن، ومفهومه أنه لم يأذن للأقوياء الذكور. واستدلّ لذلك أيضًا بحديث ابن عمر عند الشيخين أنه كان يقدّم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم لصلاة الفجر، ومنهم من يقدَم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.
وقال ابن المنذر: السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس، كما فعل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر؛ لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رمى حينئذ فلا إعادة عليه، إذ لا أعلم أحدًا قال: لا يجزئه. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأرجح ما ذهب إليه الأولون من جواز الرمي قبل طلوع الشمس، ويُحمَل حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - المذكور في الباب على الاستحباب؛ جمعًا بينه وبين أحاديث أسماء، وعائشة، وابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهم - المتقدّمة، فالمستحبّ أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس، ولو رمى قبله أجزأه؛ لهذه الأحاديث. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.