عباس أن يوجب الدم في كلّ شيء من الأربعة المذكورة، ولا يخصّه بالحلق قبل الذبح، أو قبل الرمي.
وقال ابن دقيق العيد: منع مالك، وأبو حنيفة تقديم الحلق على الرمي والذبح؛ لأنه حينئذ يكون حلقًا قبل وجود التحلّلين، وللشافعيّ قول مثله، وقد بني القولان له على أن الحلق نسكٌ، أو استباحة محظور، فإن قلنا: إنه نسك جاز تقديمه على الرمي وغيره؛ لأنه يكون من أسباب التحلّل. وإن قلنا: إنه استباحة محظور، فلا، قال: وفي هذا البناء نظر؛ لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكًا أن يكون من أسباب التحلّل؛ لأن النسك ما يثاب عليه، وهذا مالك يرى أن الحلق نسك، ويرى أنه لا يقدّم على الرمي مع ذلك.
وقال الأوزاعيّ: إن أفاض قبل الرمي أهراق دمًا. وقال عياض: اختلف عن مالك في تقديم الطواف على الرمي، وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنه يجب عليه إعادة الطواف، فإن توجّه إلى بلده بلا إعادة وجب عليه دم. قال ابن بطال: وهذا يخالف حديث ابن عباس، وكأنه لم يبلغه انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الجمهور من جواز تقديم بعض أعمال يوم النحر على بعض، وعدم وجوب الفدية في ذلك هو الحقّ؛ لظاهر الأحاديث، والذين أوجبوا الفدية، أو الإعادة لبعضها فليس عندهم حجة مقنعة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): زاد في حديث عبد اللَّه بن عمرو - رضي اللَّه تعالى عنهما - في آخره عند البخاريّ:"فما سُئل عن شيء قُدّم، ولا أخر، إلا قال: "افعل، ولا حرج". وفي رواية لمسلم، وأحمد: "فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما يُنسى، أو يُجهل، من تقديم لعض الأمور على بعض، أو أشباهها، إلا قال:"افعلوا ذلك، ولا حرج".
واحتُجّ به على أن الرخصة تختصّ بمن نسي، أو جهل، لا بمن تعمّد، قال صاحب "المغني": قال الأثرم، عن أحمد: إن كان ناسيًا، أو جاهلاً فلا شيء عليه، وإن كان عالماً فلا؛ لقوله:"لم أشعُر". وأجاب بعض الشافعيّة بأن الترتيب لو كان واجبًا لما سقط بالسهو، كالترتيب بين السعي والطواف، فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي (١)، وأما ما وقع في حديث أسامة بن شريك، فمحمول على من سعى بعد
(١) - قلت: القول بوجوب إعادة السعي غير صحيح؛ لأن حديث أسامة بن شريك يردّ عليه، وهو حديث صحيح، فالحق أنه لا إعادة على من قدّم السعي على الطواف، كما قال به أحمد، وعطاء -رحمهما اللَّه تعالى-. فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.