قاله ابن قُدامة في "المغني"، إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع.
وقال القرطبيّ: رُوِيَ عن ابن عباس، ولم يثبت عنه أن من قدّم شيئًا على شيء فعليه دم، وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، والنخعيّ، وأصحاب الرأي انتهى.
قال الحافظ: وفي نسبة ذلك إلى النخعيّ، وأصحاب الرأي نظر، فإنهم لا يقولون بذلك، إلا في بعض المواضمع كما سيأتي.
قال: وذهب الشافعيّ، وجمهور السلف، والعلماء، وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز، وعدم وجوب الدم؛ لقوله للسائل:"لا حرج"، فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا؛ لأن اسم الضيق يشملهما. قال الطحاويّ: ظاهر الحديث يدلّ على التوسعة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض، قال: إلا أنه يحتمل أن يكون قوله: "لا حرج" أي لا إثم في ذلك الفعل، وهو كذلك لمن كان ناسيًا، أو جاهلاً، وأما من تعمّد المخالفة، فتجب عليه الفدية.
وتُعُقّب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبًا لبيّنه - صلى اللَّه عليه وسلم - حينئذ؛ لأنه وقت الحاجة، ولا يجوز تأخيره.
وقال الطبريّ: لم يُسقط النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الحرج، إلا وقد أجزأ الفعل، إذ لو لم يجزىء لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحجّ، كما لو ترك الرمي ونحوه، فإنه لا يأثم بتركه جاهلاً، أو ناسيًا، لكن يجب عليه الإعادة، والعجب ممن يحمل قوله:"ولا حرج" على نفي الإثم فقط، ثم يخصّ ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم، فليكن في الجميع، وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض من تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج.
وأما احتجاج النخعيّ، ومن تبعه في تقديم الحلق على غيره بقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦] قال: فمن حلق قبل الذبح أهراق دمًا عنه. رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
فقد أجيب عنه بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحلّ ذبحه فيه، وقد حصل، وإنما يتمّ ما أراد أن لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا.
واحتجّ الطحاويّ أيضًا بقول ابن عباس:"من قدّم شيئًا من نسكه، أو أخّره، فليهرق لذلك دما"، قال: وهو أحد من روى أن لا حرج، فدلّ على أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط.
وأجيب بأن الطرق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف، فإن ابن أبي شيبة أخرجها، وفيها إبراهيم بن مهاجر، وفيه مقال، وعلى تقدير الصحة، فيلزم من يأخذ بقول ابن