وقال عمر بن الخطّاب، وابن عمر: يحلّ كلّ شيء إلا النساء، والطيب. وقال مالك: له كلّ شيء إلا النساء، والطيب، والصيد. وقد اختلف فيه عن إسحاق، فذكر إسحاق بن منصور عنه ما ذكرناه، وذكر أبو داود الخفّاف عنه أنه قال: يحلّ له كلّ شيء إلا النساء والصيد. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الجمهور من أن المحرم يحلّ له برمي جمرة العقبة كلّ شيء إلا النساء هو الحقّ؛ لصحة الأحاديث بذلك، إلا أن هذا مشروط بالطواف بالبيت قبل مساء يوم النحر، وإلا عاد محرمًا، كما كان حتى يطوف؛ لما أخرجه أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح، عن أم سلمة، قالت: كانت ليلتي التي يصير إليّ فيها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، مساء يوم النحر، فصار إليّ، ودخل عليّ وهب بن زمعة، ومعه رجل من آل أبي أمية، مُتَقَمِّصَين، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لوهب:"هل أفضت أبا عبد اللَّه؟ "، قال: لا، واللَّه يا رسول اللَّه، قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "انزع عنك القميص"، قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولِمَ يا رسول اللَّه؟، قال:"إن هذا يوم رُخّصَ لكم، إذا أنتم رميتم الجمرة أن تَحِلُّوا -يعني من كلّ ما حُرِمتُم منه، إلا النساء، فإذا أمسيتم، قبل أن تطوفوا هذا البيت، صرتم حُرُمًا، كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، حتى تطوفوا به".
فهذا الحديث صحيح صريح، في أن المحرم إنما يحلّ له كلّ شيء برمي جمرة العقبة، بشرط أن يطوف بالبيت يوم النحر، قبل أن يمسي، وإلا فقد عاد كما هو حتى يطوف، وقد تقدم دعوى بعض العلماء الذين لا يرون العمل بهذا الحديث كونه منسوخًا بالإجماع، والردّ عليهم بأنها دعوى باطلة، فقد ذهب إليه بعض أهل العلم من السلف، وهو الحقّ، كما تقدّم البحث عن ذلك، مطوّلاً في شرح حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - في باب "إباحة الطيب عند الإحرام" - ٤١/ ٢٦٨٤ - ، فراجعه تستفد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".