{غَيرُ أُوْلِى اْلضَّرَرِ}، فإن كان الوحي نزل بزيادة قوله:{غَيرُ أُوْلِى اْلضَّرَرِ} فقط، فكأنه رأى إعادة الآية من أولها حتى يتّصل المستثنى بالمستثنى منه، وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها، فقد حكى الراوي صورة الحال.
قال الحافظ: الأول أظهر، فإن في رواية سهل بن سعد (١): "فأنزل اللَّه {غَيرُ أُوْلِى اْلضَّرَرِ}. وأوضح من ذلك رواية خارجة بن زيد عن أبيه، ففيها: "ثمّ سُرِّيَ عنه، فقال: اقرأ، فقرأت عليه {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: {غَيرُ أُوْلِى اْلضَّرَرِ}). وفي حديث الْفَلَتَان -بفتح الفاء، واللام، وبمثنّاة فوقانيّة- ابن عاصم في هذه القصّة:"قال: فقال الأعمى: ما ذنبنا؟ فانزل اللَّه، فقلنا له: إنه يوحى إليه، فخاف أن ينزل في أمره شيء، فجعل يقول: أتوب إلى اللَّه، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: اكتب {غَيرُ أُوْلِى اْلضَّرَرِ} "، أخرجه البزّار، والطبرانيّ، وصححه ابن حبان.
ووقع في غير هذا الحديث ما يؤيّد الثاني، وهو في حديث البراء بن عازب - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "فأُنزلت هذه الآية: حافظوا على الصلوات، وصلاة العصر، فقرأناها ما شاء اللَّه، ثم نزلت:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}. انتهى.
[تنبيه]: أخرج البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه"، والمصنّف في "التفسير" من "الكبرى" من طريق ابن جريج، عن عبد الكريم الجزريّ، عن مقسم مولى عبد اللَّه ابن الحارث، أن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أخبره:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عن بدر إلى بدر انتهى.
قال في "الفتح": كذا أورده مختصرًا، وظنّ ابن التين أنه مغاير لحديثي سهل والبراء، فقال: القرآن ينزل في الشيء على ما في معناه. وقد أخرجه الترمذيّ من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج بهذا مثله، وزاد: "لما نزلت غزوة بدر، قال عبد اللَّه بن جحش، وابن أم مكتوم الأعميان: يا رسول اللَّه، هل لنا رخصة؟، فنزلت:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} فهولاء القاعدون غير أولي الضرر، {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ} على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر. هكذا أورده سياقًا واحدًا، ومن قوله:"درجة الخ" مدرج في الخبر من كلام ابن جريج، بيّنه الطبريّ، فأخرج من طريق حجاج نحو ما أخرجه الترمذيّ إلى قوله:"درجة"، ووقع عنده:"فقال عبد اللَّه ابن أم مكتوم، وأبو أحمد بن جحش"، وهو الصواب في ابن جحش، فإن عبد اللَّه أخوه،
(١) قلت: مثلها رواية البراء - رضي اللَّه عنه - الآتية بعد هذا.