للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سائر أعضائه منها، وكذا الكلام في ذكر الوجه في سبيل اللَّه. أفاده العينيّ (١).

وفي رواية للبخاريّ: "ما اغبرت قدما عبد"، وزاد أحمد من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "ساعة من نهار".

(فِي سَبيلِ اللَّهِ) أي لأجل إعلاء كلمة اللَّه تعالى، فـ"في" بمعنى اللام، أو بسبب إعلاء كلمةَ اللَّه تعالى، فـ"في" بمعنى الباء السببية، وهذا كلّه إذا كان المراد بـ"سيل اللَّه" جهاد الكفّار، وهو المتباردر إلى الذهن.

وقد حمله الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" على عموم أنواع الطاعات، ولذلك ترجم في "كتاب الجمعة" - "باب المشي إلى الجمعة"، ثم أورد حديث أبي عبس هذا، عملاً بعموم اللفظ، ولأن راوي الحديث استدلّ به على ذلك (٢).

وقال ابن الأثير: وسبيل اللَّه عام يقع على كلّ عمل خالص، سُلك به طريق التقرّب إلى اللَّه تعالى بأداء الفرائض، والنوافل، وأنواع التطوّعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه انتهى (٣).

(فَهُوَ) أي ذلك الشخص (حَرَامٌ عَلَى النَّارِ) يعني أنه لا يدخل النار. وفي رواية للبخاريّ: "ما اغبرّت قدما عبد في سبيل اللَّه، فتمسّه النار". والمعنى أن المسّ ينتفي بوجود الغبار المذكور، وفي ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرّف في سبيل اللَّه، فإذا كان مجرّد مسّ الغبار للقدم يحرّم عليها النار، فكيف بمن سعى، وبذل جهده، واستنفد وسعه؟.

وللحديث شواهد: منها: ما أخرجه الطبرانيّ في "الأوسط" عن أبي الدرداء، مرفوعًا: "من اغبرّت قدماه في سبيل اللَّه باعد اللَّه منه النار مسيرة ألف عام للراكب المستعجل". وأخرج ابن حبّان من حديث جابر - رضي اللَّه عنه - أنه كان في غَزَاة، فقال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول، فذكر نحو حديث أبي عبس، قال: فتواثب الناس عن دوابّهم، فما رئي أكثر ماشيًا من ذلك اليوم. قاله في "الفتح" (٤). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي عبس - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا أخرجه البخاريّ.


(١) - "عمدة القاري" ٥/ ٢٩٢.
(٢) - "فتح" ٣/ ٥١.
(٣) - "النهاية" ٢/ ٣٣٨ - ٣٣٩.
(٤) - "فتح" ٦/ ١١٠ - ١١١.